IMLebanon

ننفجر وتنفجر معنا المنطقة

ازمات (لا جنّات) على مد النظر!

استعادة كئيبة لما نقله جورج بول عن هنري كيسنجر عام 1987. اضطررنا الى تبديل بعض المفردات حتى لا تثار حساسيات الذين احترفوا التأويل الميكانيكي للنص…

كيسنجر قال «ازمة الشرق الاوسط ولدت مع الازل وتموت مع الازل». كان ثمة تعليق كافكاوي للديبلوماسي الاميركي الذي كان من فريق المستعربين في الخارجية الاميركية «اخشى ان يقال لنا ان الازل مات قبل ان تموت الازمة».

الفظاعات التي تحدث امامنا تدعو الى التساؤل ما اذا كان الذين في عليين قد قرروا وقف العمل بـ«التعهد» القديم، ارسال مبعوث الهي الى الارض من اجل خلاص البشرية؟

هذا حين نلاحظ كيف ان رجال الدين، من النوع الشائع على الشاشات، او في زوايا العدم، يتولون تسويق الدم بتسويق الكراهية.

تالياً، من حوّل سوريا الى هيروشيما سوى شيوخ القبائل، وشيوخ الطوائف، وشيوخ الطرق الذين بعثروا اهل السماء مثلما بعثروا اهل الارض؟

لا بل ان ناعوم تشومسكي الذي قال «لقد غادرت الامل»، لفت الى ان الذي حصل في سوريا اكثر كارثية من المدينة اليابانية. هنا لا تحترق المنازل، والجثث، وحيث الاشجار لم تعد تجد من تبتهل اليه (التعبير لياسوناري كاوباتا)، كما لا تحترق الارواح فحسب. الازمنة هي التي تحترق حين لا تعود النصوص المقدسة تستعمل الا لانتاج القتلى..

القتلى ليسوا فقط الذين شقوا طريقهم، بصورة او بأخرى، الى العالم الاخر. الاحياء هم القتلى حين يصبح الجميع ذئاب الجميع. من اجل من؟ وزير الخارجية الفرنسي الاسبق اوبير فيدرين الذي نأمل ان يحل محل لوران فابيوس، الذاهب الى رئاسة المجلس الدستوري، حمل على النظام في سوريا، لكنه لاحظ كيف ان ثمة من بعث بـ«الارواح الشريرة» الى ما اعتبرها «الارض الجميلة» في الشرق الاوسط. قرأ عن دمشق ولاحظ كيف اختارها محيي الدين بن عربي باعتبارها المكان الذي يستطيع فيه ان يرى الله بالعين المجردة…

فيدرين يرى ان الدول الاقليمية المتورطة في صناعة ذلك الجحيم والتي استجلبت «الارواح الشريرة» اياها من كل حدب وصوب، تستطيع ان تشعل الحروب دون ان تستطيع اخمادها حتى عندما تدق ابوابها. يقول ان الخلافات الجيوبوليتيكية بين هذه الدول، فضلا عن الخلافات الايديولوجية، وفي احيان كثيرة الحساسيات الشخصية او القبلية، تجعلها عاجزة حتى عن ادارة اي سيناريو لوقف النار…

الدولة العظمى الان هي دولة الخلافة. هذه ولدت نتيجة التواطؤ بين ثقافة البلاط وثقافة الاقبية، لا احد الا واستخدمها تكتيكيا بالرغم مما تحمله من « اهوال استراتيجية»، ودون ان تكون وحدها «مزرعة الابالسة». ثمة صراع مذهبي وتتولى الانظمة تكريسه، وتسويقه، لابقاء المجتمعات في قعر القرن، وقطع اي صلة لها بالزمن..

الدول الاقليمية عاجزة، او متواطئة، او ضائعة، هكذا يقول فيدرين. القوى الكبرى تبدو وكأنها باتت رهينة ازمات المنطقة. الروس لا يجدون اي مسافة بين الرقة وفولغاغراد. الاميركيون يعانون من تصدع في الرؤية الاستراتيجية للعالم. الكونغرس الذي يفترض ان يكون مستودع الادمغة (الادمغة التي تقود الكرة الارضية) يتصرف بمنطق شيوخ القبائل (لاحظوا جون ماكين وليندسي غراهام) الذين يعتبرون «ان الهنود الحمر مازالوا امامنا».

هكذا هي الولايات المتحدة. لغة مزدوجة، واستراتيجيات مزودجة. لا احد ادرك حتى الان ان السياسات الاميركية، وسواء كانت بادارة شخصية حمقاء مثل جورج دبليوبوش ام بادارة شخصية رؤيوية مثل باراك اوباما، قامت اساسا، لا سيما في الشرق الاوسط، على الترويج لثقافة الحطام. انظمة تعود الى القرون الوسطى، ومجتمعات قابلة للتقاتل في ما بينها وهي تؤدي رقصتها الابدية حول الغيب..

حتى الان، لا ديناميكية ديبلوماسية للتسوية في سوريا. في المحادثة الاخيرة بين جون كيري ووزير خارجية عربي قال هذا الاخير، وتبعا لاحد معلقي الـ«سي.ان.ان»، ان وضع النظام يده على كل حلب يعني وضعها على كل سوريا.

الوزير العربي هدد بـ«حرب كبرى». لا بد ان وزير الخارجية الاميركي ضحك كثيرا لانه يعلم ان صاحب المعالي انما ينطق بـ«اللغة التركية»، وحيث يبدو رجب طيب اردوغان يسعى لتفجير المنطقة بأسرها بعدما ارتطم البهلوان بكل حلقات النار…

اتصالات حساسة جدا وراء الستار. كما ان المجانين يفجرون انفسهم بالاحزمة الناسفة، ثمة قادة يزنرون انفسهم بالاحزمة الناسفة. ننفجر وتنفجر معنا المنطقة. اليس هذا الحديث الذي يجري وراء الضوء الان؟!