المأزق اللبناني يكتمل بالشغل في الداخل، وان كان الخارج يحاول اخراجنا منه: اسوأ ازمة مالية واقتصادية واجتماعية. اصعب ازمة سياسية، اخطر ازمة وطنية، حيث مصير لبنان على المحك في “اجندة” مشروع امبراطوري، وفوقها اضخم انفجار دمر المرفأ وبيروت تحت انظار المسؤولين العارفين بالخطر. وكلها محكومة بان يعالجها اهل الوضع الأسوأ في الديموقراطيات: موالاة ضعيفة ومعارضة ضعيفة وشارع ناقم على الجميع، لا مجرد وضع سيئ هو موالاة قوية ومعارضة ضعيفة او العكس.
وليس اخطر من المأزق سوى كون المخرج الجيد منه مسدوداً بقوة حراس الازمة. وما يدور الجدل حوله حالياً هو البحث في مخارج سيئة تضمن مصالح المسؤولين عن الكوارث والازمات. وهي ليست مخارج بل محاولات لشيء من “تحسين” شروط البقاء في المأزق. فلا مجال لتغيير اللعبة ما دام اللاعبون هم انفسهم. ولا فرق سواء عادوا الى واجهة المسرح او اختاروا دمى جديدة يمسكون بخيوطها بعدما تركوا الدمى في حكومة حسان دياب تسقط. والذين لم يتداركوا خطر قنبلة كيماوية في حجم قنبلة هيروشيما النووية، وكانت التقارير المحذرة على مكاتبهم، يصعب ان يفعلوا ما يجب لانقاذ لبنان. حتى الحركة التي يقوم بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في الداخل والخارج لترتيب مخرج، فانها لم تدفعهم الى التحرك. لا بل ان القمع هو الرد على الشباب المطالب في الشارع بالتغيير.
ذلك ان البحث في جنس الحكومة قبل التكليف والتأليف هو بحث عن ضمان الحصص والمواقع في السلطة ضمن المصالح الضيّقة، وبحث في جنس لبنان بالنسبة الى العاملين لمشروع كبير يبدأ بـ”الغلبة” في بلد التسويات، وهذه وصفة للانهيار الكامل. فالوقت ليس مفتوحاً للتفاهم على حكومة محاصصة يستغرق تأليفها اشهراً كالعادة. والمطلوب حالياً هو حكومة تخرج لبنان من هاوية الأزمات في بداية مرحلة انتقالية تقود الى التغيير الاشمل على اساس خريطة طريق عملية، حكومة تستعيد ثقة الداخل والخارج، تعمل لتحقيق فرصة الانقاذ المفتوحة امامنا، تسيطر على المطار والمرافئ والمعابر الحدودية، وتعيد “مركز السلطة والقرار” الى مجلس الوزراء، لا حكومة ذئاب، ولا حكومة ضعيفة تترك اللبنانيين للذئاب.
مفهوم ان التفاهم ضروري لتأليف الحكومة. لكن التفاهم يجب ان يكون على اولويات البرنامج الانقاذي، لا على الحصص، وهو ليس محصوراً بامراء الطوائف، حيث من الطبيعي وضع الموقف الخارجي الذي يمثله حالياً ماكرون في الحساب، والاصغاء الى العامل الداخلي الجديد وهو الشعب الثائر في الشارع والغاضب في كل مكان.
والوقت حان لأن نفعل ما ركّز عليه روبسبيير في الثورة الفرنسية: “الانتقال من صغائر العظماء الى عظمة الشعب”.