لم يقضِ انفجار المرفأ على كل شيء. على الأرصفة البعيدة عن مكان الانفجار، بقيت حاويات صامدة. بعد أسبوعين من الكارثة، سعى التجار إلى إخراج بضاعتهم. لكن تأثير الانفجار على البضائع ظل مجهولاً. لذلك، كان الإصرار من قبل وزارة الاقتصاد على إجراء فحوصات مشددة للتأكد من سلامة البضائع قبل إخراجها. عملية أخذ العيّنات وفحصها أنجزت، لكن يبقى صدور النتائج، ثم معاينة حماية المستهلك لها
بالرغم من أن كارثة 4 آب أدّت إلى دمار شبه كامل في الجزأين الغربي والأوسط من مرفأ بيروت، إلا أن معاينة الأضرار لاحقاً كشفت أن باحة الحاويات الممتدة شرقاً في محاذاة نهر بيروت، حيث لا تزال الرافعات في مكانها، قد نجت من الانفجار. قبل الأسبوع الماضي، كان صعباً على المعنيين الدخول إلى تلك الباحة لمعاينة البضائع تمهيداً لإخراجها. فالباحة المخصصة لأخذ العينات كانت مدمرة بالكامل (لم يُعرف بعد عدد الحاويات المتضررة فيها، نظراً إلى وجودها في المنطقة العسكرية التي فرضها الجيش). ولذلك، كان لا بد من استحداث باحة أخرى للبدء بأخذ العينات من الحاويات لفحصها. لكن لأن الباحة صغيرة نسبياً، فقد شهدت عملية أخذ العينات بعض الفوضى، قبل أن تعود الأمور إلى نصابها.
منذ ١٧ آب الحالي، اتُخذ قرار بدء الكشف على الحاويات ومحتوياتها. وقد تبيّن وجود 1033 حاوية سليمة، عمد أصحابها إلى المطالبة بإخراجها من المرفأ، لأن بقاءها يسبب لهم خسائر كبيرة. نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي اعتبر أن إخراج البضائع والتعهد بعدم المس بها، كان يمكن أن يوفّر عليهم كلفة الأرضية التي تدفع لإدارة المرفأ، وبدل إيجار الحاويات لشركات الشحن، خاصة أن هذا الإجراء اتبع فعلاً في ما يتعلق بالأدوية، إذ وافقت وزارة الصحة على إخراج الأدوية من المرفأ وتخزينها في مستودعات الشركات ريثما يتم فحصها.
صرخة التجار هذه قوبلت بإصرار وزارة الاقتصاد على إجراء فحوصات جرثومية وكيميائية للبضائع قبل خروجها من المرفأ، على اعتبار أنه سيكون صعباً ضمان أن لا تُستعمل البضاعة، أضف إلى ذلك صعوبة إعادة تصديرها بعد خروجها من المرفأ في حال ثبت عدم مطابقتها للمواصفات. كما طالبت الوزارة بإضافة فحص ثالث يتعلق بنسب التلوث. استثنيت البضائع المجمدة أو المسحوب منها الهواء من الاختبار الأخير، واستبدل بفحص مستوى تغير درجة حرارتها خلال وجودها في المرفأ، إذ أشارت تقارير الجهات المعنية إلى أن الكهرباء لم تنقطع في ٤ آب لأكثر من ست ساعات، ما يسمح ببقاء البضاعة بحالة جيدة. اعترض التجار على إجراء الفحص الثالث (نسبة التلوث) على اعتبار أنه لم يكن مطلوباً قبلاً، وسيكبّدهم أكلافاً إضافية، تضاف إلى خسائرهم من جراء تأخر خروج الشحنات من المرفأ (الشحنة تكلف ما بين ٩٠٠ ألف ليرة و5 ملايين ليرة). لكن المدير العام لوزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر أصرّ على إجرائه، لأنه لا يمكن تقدير حجم التلوث بعد الانفجار ولا يمكن التساهل في عملية فحص البضائع. وللتوفيق بين أولوية ضمان سلامة المواد الغذائية، وعدم تكبيد التجار خسائر إضافية، تم التوصل إلى اتفاق مع الجمارك وإدارة المرفأ ووزارة الاقتصاد، يقضي بتخفيض الرسوم المرفئية المستوفاة على المستوعبات الواردة للاستهلاك المحلي، والتي كانت موجودة في المرفأ في ٤ آب. لكن مع ذلك، تبيّن للتجار، بحسب بحصلي، أن هذا القرار لم يصبح رسمياً بعد، لأنه لا يزال اقتراحاً من رئيس هيئة إدارة المرفأ باسم القيسي، ويحتاج إلى تصديق المجلس الأعلى للجمارك.
«الاقتصاد» كانت رفضت أيضاً طلب الاكتفاء بفحص عينة من كل شحنة إذا كانت تضم أكثر من حاوية، كما كان يحصل عادة. فالوزارة اعتبرت أنه بعد الانفجار لم يعد ممكناً الاعتماد على صلاحية حاوية للتسليم بصلاحية شحنة كاملة، حتى لو كانت تضم البضاعة نفسها، فيما رأى التجار، في المقابل، أن هذا القرار هو لزوم ما لا يلزم، ولا يسهم سوى في تأخير إنجاز الفحص وإخراج البضائع.
«الاقتصاد» منعت خروج أي حاوية قبل فحصها كيميائياً وجرثومياً
في النتيجة، بدأت وزارة الاقتصاد إجراءات الفحص يوم الإثنين في ١٧ آب، إلا أن توقّف معهد البحوث الصناعية عن العمل لثلاثة أيام بسبب ظهور حالة كورونا بين العاملين فيه، وعدم تعامل مركز الأبحاث الزراعية مع الحالة بوصفها حالة طارئة تتطلب الاستنفار لإنجاز الفحوصات، كانا محل اعتراض من التجار. وللتعجيل في إخراج المستوعبات التي بدأت تتراكم في المرفأ (السابقة لتاريخ الانفجار واللاحقة له، إضافة إلى المساعدات الغذائية)، تم التنسيق بين وزارات الاقتصاد والزراعة والصناعة لفتح المختبرات المعنية في نهاية الأسبوع. وبالفعل، أصدر الوزير عباس مرتضى قراراً طلب بموجبه تمديد دوام العمل يوم الجمعة، في المختبرات التابعة للمديرية العامة للزراعة ولمصلحة الأبحاث العلمية الزراعية، إضافة إلى مركزي الحجر الصحي الزراعي والبيطري، وكذلك العمل أيام السبت والأحد من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثالثة والنصف بعد الظهر، من تاريخه حتى إشعار آخر. كذلك الأمر، أصدرت إدارة البحوث الصناعية، بناءً على طلب من وزير الصناعة عماد حب الله، قراراً بفتح المعهد أيام السبت والأحد الماضيين، لتسهيل عملية تخليص البضائع.
بالنتيجة، تم الكشف على ٢٤٠ حاوية يوم السبت، وكذلك الأمر يوم الأحد، مع توقعات بإنجاز عملية أخذ العينات خلال يومين. وبذلك، يكون جزء من المشكلة قد حلّ، خاصة أن النتائج التي تحتاج إلى ٤ أو خمسة أيام بدأت تصدر تباعاً.
على ما يؤكد بحصلي، فإن صدور النتائج لن يؤدي إلى تحرير البضائع وعرضها في الأسواق، إذ طلبت وزارة الاقتصاد عدم التصرف بالبضائع المستوردة بعد خروجها من المرفأ. وطالبت المعنيين بتوقيع تعهّد بتخزينها إلى حين إجراء الكشف عليها من قبل موظّفي مديرية حماية المستهلك والموافقة على رفع الحجز عن البضاعة أو إبلاغهم بالاجراءات المطلوب تنفيذها وفقاً للشروط الواجب توفيرها في المواد الغذائية المعلّبة أو المحفوظة.