Site icon IMLebanon

الأزمات المتفجرّة تدفع لتوسيع الفراغ ونسف ضمانات الأمن والاستقرار

ما الذي يجعل القيادات السياسية في لبنان مستسلمة إلى واقع عدم القدرة المحلية على انتخاب رئيس جديد للجمهورية؟ وما الذي يدفع باتجاه تعاطي معظم المسؤولين بكافة تلاوينهم في لبنان مع واقع الفراغ الرئاسي على أنه مستمر إلى فترة طويلة ومن دون وجود أي بوادر تدل على أن امكانية انهاء حالة الفراغ في قصر بعبدا أمر ممكن تحقيقه في المدى المنظور؟

مما لا شك فيه أن المعطيات الداخلية تؤكد بحسب مصادر مطلعة على نحو كامل بأن القيادات اللبنانية قد أضاعت فرصة لبننة الإستحقاق الرئاسي الذي بات معلقا بانتظار التسويات الإقليمية الغائبة والتي لا تسمح بوجود ارادة دولية اقليمية لإنهاء حالة الشغور الرئاسية القائمة، و مما لا شك فيه أيضا بأن القيادات السياسية التي تلتقي بدبلوماسيين وبكبار المسؤولين الدوليين سواء في الداخل اللبناني وخارجه هم على قناعة بأن دورهم في الوقت الراهن ينحصر بالحد الأقصى في الحفاظ على الستاتيكو القائم حتى اشعار آخر، خصوصا أن العامل الأساسي الحامي لأمن واستقرار لبنان طوال الفترة السابقة مصدره هو القرار الدولي والإقليمي وليس أي شيء آخر.

المصادر أضافت بأن الموقف المسيحي الموحد لتطيير الجلسة التشريعية التي يدعو إليها الرئيس نبيه بري بكل بنودها الواردة في جدول الأعمال بالإضافة إلى موقف العماد عون التهديد بسحب وزرائه من الحكومة السلامية هو جزء لا يتجزأ من المناخ العام التفجيري الذي يهدد بدفع إقليمي إلى نسف» الستاتيكو» القائم في لبنان، ما يعني بصريح العبارة ما يأتي:

– أن منحى توسيع الفراغ من رئاسة الجمهورية باتجاه المجلس النيابي والحكومي بات واضحا ويسير بخطوات ثابتة من شأنها أن تجعل الفراغ المطبق هو السائد المطلق في عمل المؤسسات الدستورية في لبنان.

– أن لبنان بات يرزح أكثر من أي وقت مضى تحت تأثير تداعيات وعواقب الصراع الإقليمي المحتدم في المنطقة بين إيران والسعودية والذي على ما يبدو لا يوجد محرمات أو خطوط حمراء لهذا الصراع على أي ساحة من ساحات المواجهة ومنها الساحة اللبنانية.

– أن الضمانات الأمنية بشأن لبنان وتحييده عن صراعات المنطقة وبراكينها المشتعلة قد بدأت تتلاشى ما يعني أن كل الترتيبات والتسويات التي أنتجتها تلك الضمانات لم تعد بمنأى عن السقوط. وضمن هذا الإطار فان تسوية الحكومة السلامية وما يرتبط بها على صعيد عمل المجلس النيابي بالحد الأدنى في ظل الفراغ الرئاسي قد بدأت تترنح بدورها كونها جزءاً لا يتجزأ من الضمانات الإيرانية – السعودية لتحييد الساحة اللبنانية ، وطالما أن هذه الضمانات باتت مهددة بالسقوط والاضمحلال بسبب الأزمة اليمينة وغيرها من الأزمات فأن وضع الحكومة السلامية وكذلك عمل المجلس النيابي والوضع الأمني في البلاد بانت مهددا بدوره ويقف على كف عفريت لا يعلم أحد متى يسقط ويجر ورائه الوضع اللبناني نحو مهالك الفوضى والفتنة.

وبحسب المصادر المطلعة عينها فان الحفاظ على الستاتيكو القائم أو نسفه يضع مستقبل مصير الموقع الرئاسي في لبنان في مهب مجهول التسويات الغامضة التي يمكن أن تتبلور في نهاية الأمر بين القوة الكبرى الفاعلة والمؤثرة في قضايا الشرق الأوسط، وهذا ما يقلق بكركي وغيرها من المرجعيات المارونية والمسيحية التي بات لديها علامات استفهام حول التقاعس الدولي المتمادي الذي سمح منذ البداية بتسلل الفراغ على سدة رئاسة الجمهورية في لبنان ثم سمح باستمرار الفراغ كل هذه الأشهر ما يعني بأنه لا شيء يمنع في ان ينسحب هذا التقاعس إلى مسألة نسف النظام اللبناني برمته وإعادة ترتيبه وبنائه على حساب التضحية بالموقع الرئاسي أي على حساب المسيحيين في لبنان وكل المنطقة الذين حتى هذه اللحظة لا يوجد لديهم أي ضمانات جدية وفعلية من أي قوة دولية بحمايتهم في حال تعرضهم لمزيد من الخسائر الذي يهدد وجودهم وحضورهم في كل انحاء هذا الشرق.

وأشارت الى ان لبنان بأوضاعه الهشة والمخاطر المحدقة بأمنه واستقراره وسلمه الأهلي لا يحتمل كل هذه الرفاهية السياسية عند البعض التي تقود البلاد بسبب التعنت والغايات والمصالح الآنية الضيقة نحو المزيد من «الخضات» والأزمات التشريعية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية التي لا تتحملها الأوضاع الدقيقة والبالغة الحساسية التي يمر بها لبنان والمحيط والجوار و التي تحتاج من كافة القوى السياسية الارتقاء بتحمل مسؤولياتهم الوطنية لتمرير هذه الظروف الصعبة بأقل العواقب على الانتظام العام الذي يحفظ سير عمل مرافق الدولة ومؤسساتها العامة التي لا يجوز أن يكون هناك تهديدا لاستمراريتها ، بل هناك واجب دستوري وقانوني وأخلاقي على جميع القوى السياسية لاتخاذ كل ما يلزم من الخطوات والإجراءات والتدابير التي تحافظ على حقوق المواطن اللبناني في الحصول على الحد الأدنى من الخدمات التي من واجب الدولة اللبنانية تأمينها له ولكل الشعب اللبناني بشكل منتظم وثابت ودائم ومن دون أي انقطاع لأي سبب من الأسباب.

وتتابع المصادر انه على الرغم من أن مشهد ذبح المسيحيين الأقباط والأثيوبيين على ايدي التنظيمات الإرهابية التكفيرية التي باتت على أبواب لبنان، فان المسيحيين في لبنان لا يزالون غارقين في البحث عن جنس أسباب خلافاتهم ونزاعاتهم في حين أن سكين تنظيم داعش الإرهابي وغيرها من التنظيمات التكفيرية يكاد يصل إلى رقاب مسيحيي لبنان الذين باتوا ضحية ليس فقط الإرهاب ومخططات الاستهداف المنهجية لتهجيرهم من هذا الشرق، بل أيضا ضحايا بعض زعمائهم الذين يساهمون بشكل أساسي ومباشر في أضاعة الفرص الثمينة التي قد تسبب بخسارة أهم موقع للمسيحيين ليس في لبنان وحسب بل أيضا في كل هذا الشرق في حال وصلت الأمور إلى نقطة اللاعودة في موضوع خسارة المسيحيين لموقع رئاسة الجمهورية اللبنانية خصوصا أن هناك دبلوماسيين غربيين يتحدثون بشكل خافت في بعض المجالس عن احتمالات طي صفحة رئاسة الجمهورية في لبنان وفتح صفحة جديدة تحمل عنوان الذهاب نحو مؤتمر تأسيسي يعيد تكون السلطة في لبنان على أساس موازين القوى الجديدة وكما هو معلوم وفق المعطيات السياسية الداخلية والخارجية في داخل لبنان وخارجه فان كفة موازين القوى في لبنان تميل نحو ترجيح كفة المسلمين على حساب المسيحيين الذين خسروا أهم امتيازاتهم في اتفاق الطائف وبعد أن تراجع دورهم وحضورهم السياسي الوازن في الـ 25 سنة الماضية أي في زمن عهد الوصاية الأمنية اللبنانية – السورية التي مارست سياسة التهميش المنهجية ضد المسيحيين.