IMLebanon

.. وتبقى الممانعة حاملة لواء.. «حامل عبوات» النظام

7 شهور فقط ويعود الوزير السابق ميشال سماحة ليمارس حياته الطبيعية من جديد. يعود ليقود سيارته وليسير بين الناس وليستمع الى الموسيقى وليشرب قهوته الصباحية وليسافر في اجازات استجمام خاصة. هذا ما قضت به المحكمة العسكرية في حق من اعترف بالتخطيط للقيام بأعمال ارهابية وتفجيرات فتنوية ! أربع سنوات ونصف السنة هي مدة محكومية من ادانته المحكمة العسكرية بـ«محاولة القيام بأعمال ارهابية والانتماء الى مجموعة مسلحة»! اما من حاول اغتيالهم ( النائب خالد ضاهر والمفتي مالك الشعار والبطريرك الراعي وغيرهم)، بهدف اثارة الفتن، فقد اعتذر سماحة منهم، والمسامح كريم ! 

الحُكم فاجأ قوى الرابع عشر من آذار التي دفعت اثماناً باهظة في سبيل الوصول الى دولة الاستقلال والمؤسسات والقانون العادل، لكنه لم يفاجئ قوى الثامن من آذار وجمهورها. ففي زمن يظهر فيه رئيس الحزب العربي الديموقراطي علي عيد ونجله رفعت، المطلوبان للقضاء في احداث عنف، الى العلن وامام اعين رجال الامن، خلال تشييع شقيق علي عيد في بلدة حكر الضاهري في عكار، وبينما يجلس شاكر البرجاوي، المطلوب بمذكرات توقيف، في الصفوف الامامية في مهرجان «التضامن مع اليمن المظلوم» في الضاحية الشهر الماضي، يصبح حكم المحكمة العسكرية بحق سماحة، مستشار الرئيس الاسد وحليف حزب الله، اكثر من عادي !

محور «الممانعة» لا يتخلى 

عن حلفائه

«نحن لا نتخلى عن حلفائنا»، يقول الأمين العام لـ«حزب الله» في احدى إطلالاته التلفزيونية. وعده كان صادقاً. فأقطاب الممانعة، ومنذ اللحظة الاولى لاعتقال سماحة، هبّوا لنصرة الحليف المتهم بمحاولة القيام بأعمال ارهابية ! وسرعان ما تبيّن أن «السيارة الصغيرة التي لا تسع لحمارين»، كما وصف المشهد اللواء جميل السيّد في معرض الدفاع عن نفسه ونفيه للاخبار التي تحدّثت عن تواجده في السيارة مع سماحة، قد ساعت محوراً بأكمله ! 

لم ينتظر صقور هذا المحور التحقيقات لبناء موقفهم من القضية. فـ«هم لا يتخلون عن حلفائهم». رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، الذي «يحارب حزبه الارهاب نيابة عن العالم»، كما يدّعي السيّد نصرالله، حمل بشدة على شعبة المعلومات على خلفية اعتقال سماحة، قائلا،»هذه الفبركات الامنية اختبرناها طويلاً، وبعض القضاة مرتبطون بأجهزة امنية مشبوهة، ولن نسكت» ! اما «الرئيس المقاوم» اميل لحود فقد اعتبر ان «فرع المعلومات تجاوز اصول التحقيقات الاولية»، معرباً عن خشيته «من ان تكون الدوافع في مكان آخر». وتواصلت حملة تضامن «الممانعة» يومها مع سماحة، اذ اعتبر اللواء جميل السيّد ان «توقيف سماحة هو رسالة ترويع مرفوضة»، مقترحاً «احالة الملف الى مديرية الاستخبارات في الجيش، باعتبارها الجهاز الاكثر صدقية». وتوسعت الحملة لتشمل «الاحزاب والقوى الوطنية «، حيث توقفت الاخيرة امام «استباحة فرع المعلومات لمنزل سماحة ومكتبه على نحو حاقد وكيدي غير مسبوق، بعيدا عن اية سيطرة لمنطق القانون وحفظ الكرامات». وكان ختام الحملة «مسكاً»، فحزب «البعث»، الذي يحارب التكفير الاسلامي والارهاب الصهيوني، رأى أن «سماحة اشرف بكثير من الطقم السياسي الموجود حالياً».

ازدواجية «محاربة الارهاب ودعمه»

هكذا انتفض من يدّعون «محاربة الارهاب»، دفاعا عن ميشال سماحة، المتهم بالتخطيط لاعمال «ارهابية» ! لا عجب في ذلك، فازدواجية المعايير، المتمثلة بـ«محاربة الارهاب ودعمه في الوقت عينه»، ليست جديدة على محور «الممانعة». هل تساءل جمهور «المقاومة» لماذا ترافع «حزب الله» دفاعاً عن الارهابي عمر بكري فستق اولاً، ومن ثم اوكل احد المحامين المقربين منه للدفاع عن نائب امير «كتائب عبد الله عزام» جمال دفتردار؟! أيذكر جمهور «المقاومة» شاكر العبسي، زعيم تنظيم «فتح الاسلام» الارهابي الذي اطلق النظام السوري سراحه باتجاه لبنان ليعلن امارته الاسلامية في الشمال اللبناني ؟! أيذكر جمهور «المقاومة»، من وضع يومها «الخطوط الحمر» بوجه الجيش اللبناني في «نهر البارد»؟! لا بأس. سيخرج من يقول بأن نصرالله، حامل راية القضية الفلسطينية، كان يخشى على حياة اللاجئين الفلسطينيين في المخيّم! لكن هذا الحزب نفسه يحاصر اليوم مخيّم اليرموك في دمشق ! هل سمع «أشرف الناس» بـ«سمير خليفاوي» الملقّب بـ«حجي بكر» ؟! هل قرأ هذا الجمهور ما كتبه ضباط في الدول الغربية، وبينهم ضابط سابق في الاستخبارات الاميركية يدعى مايكل بريجينت، حول استخدام ايران والنظام السوري لتنظيم «داعش» الارهابي كذريعة لتقديم نفسيهما كضمانة ضد هذا التنظيم المتطرف؟! سيخرج ايضاً من يقول بأن هؤلاء الضباط هم مجموعة من جهاز «الموساد» الإسرائيلي، وبأن الوثائق المسربة، والمليئة بالجداول والنصوص والتفاصيل الاستراتيجية الذي وضعها «حجي بكر» لارساء دعائم «داعش» خدمة لنظام الاسد، هي من فبركات «الموساد» ايضاً. لكن الميدان السوري، وتحديداً جبال القلمون، شهد، تزامناً مع اطلاق الحكم بسماحة، هجوماً شنّه تنظيم «داعش» الارهابي على فصائل المعارضة السورية، وفجّر مخازن اسلحة لـ«جيش الفتح» تزامنا مع تقدم «حزب الله» على محور الجبة-عسال الورد ! كل ذلك فبركات تهدف للنيل من المقاومة وصمودها بوجه المشروع «الصهيوتكفيري».

ماذا لو نجح مخطط 

المملوك ـ سماحة ؟!

كان سماحة قد اعترف بأنه « تسلّم مبلغ 170 الف دولار من السوريين في مكتب عدنان (مدير مكتب اللواء علي المملوك) ووضعها في صندوق السيارة مع المتفجرات، التي كانت مخصّصة لاغتيال شخصيات سياسية ودينية «.الا أن الجديد جاء في تسريب يُظهر بالصوت والصورة حواراً دار بين سماحة وميلاد كفوري بعد تورط الاول بنقل المتفجرات، اذ قال «بس إطلع وإرجع بدي إرجع جيب»! اي انه سيأتي بالمزيد من المتفجرات عندما يزور سوريا مجدداً ! فماذا لو نجح سماحة في تنفيذ مخططه وفي استقدام المزيد من المتفجرات ؟!

مصادر امنية واسعة الاطلاع تصف سماحة بـ«حجي بكر لبنان». فالنسخة السورية من «حجي بكر» كشفت عن تورط النظام السوري في صناعة الارهاب في سوريا، وسماحة كشف عن تورّط النظام السوري في صناعة الارهاب في لبنان.

ويقول المصدر،»لو نجح مخطط سماحة-المملوك، وانفجرت هذه العبوات ببعض النواب وببعض رجال الدين وبالتجمعات الرمضانية في عكار، لكان خرج نصرالله ومحوره ليتّهموا تنظيم «داعش» الارهابي، وربما لكنّا سمعنا جملة واحدة: لهذا ذهبنا الى سوريا. ذهبنا لنحمي لبنان من هذا التكفير».

وتوقّع المصدر ان يكون سماحة مجرد حلقة صغيرة ضمن نظام امني كبير، متسائلا:« استطعنا ان نكشف سيارة واحدة لسماحة، لكن كم من سيارة محملة بالمتفجرات دخلت الى لبنان، وكم من مسؤول لبناني على علاقة بنظام الاسد ساهم في ايصال المتفجرات، وبخاصة ان لبنان شهد ما قبل وخلال وما بعد عام 2005 عشرات الاغتيالات السياسية والتفجيرات الارهابية؟».

وعن الحكم الصادر بحق سماحة، قال المصدر ساخراً، «المحكمة العسكرية تصنف الارهاب فئتين، ارهاب بسمنة وارهاب بزيت»!

إلغاء المحكمة العسكرية

الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية بحق سماحة اعاد الحديث عن ضرورة إكمال ما بدأته قوى «14 آذار» في العام 2005، والعمل بجد ونشاط لتحرير مؤسسات الدولة من الوصاية السورية التي استمرت عبر حلفائها بأشكال مختلفة، بعد تحرير لبنان من هيمنة الجيش السوري. وقد يبدأ ذلك، بحسب مصادر تيار «المستقبل»، بإلغاء المحكمة العسكرية التي يتحكّم «حزب الله» بقرارها.

مواقف كثيرة نددت بقرار المحكمة العسكرية. وزير العدل اشرف ريفي نعى للبنانيين وفاة هذه المحكمة، واصفاً الحكم الصادر عنها بـ«الفضيحة والمسخرة والجريمة الكبيرة بحق الوطن»، مؤكداً انه اعطى تعليمات فورية لتمييز الحكم.

بدوره علّق الأمين العام لتيار «المستقبل» احمد الحريري على الحكم قائلاً:«بعد صدور مهزلة حكم ميشال سماحة، نعم لإقفال المحكمة العسكرية بالشمع الاحمر، ورحمك الله يا وسام الحسن، فليس عدلاً أن تموت وأن يبقى المجرم حياً».

وبينما اعتبر النائب وليد جنبلاط ان «قرار المحكمة العسكرية يشرع الاغتيال والتفجير»، قال رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ان «هذا القرار يقوّض ثقة اللبنانيين بالدولة وبوجود عدالة على هذه الارض، فهل هذا المطلوب؟».

وفي السياق نفسه، اعتبر المحامي نبيل الحلبي، المدير التنفيذي للمؤسسة اللبنانية للديمقراطية وحقوق الانسان (لايف) لـ«المستقبل»، أن «المحكمة العسكرية محكمة استثنائية، وهي احدى الصور البشعة والقمعية لانظمة الطوارئ وللانظمة التوليتارية، اما دساتير الانظمة الديمقراطية، فتمنع ذلك. اذن، المستغرب ان نشهد في اول ديمقراطية في العالم العربي (لبنان) توجهاً نحو العسكريتاريا في الوقت الذي نشهد ثورات تهدف الى الغاء انظمة الطوارئ في الانظمة العسكرية».

وأيّد الحلبي «موقف وزير العدل اشرف ريفي الداعي الى إقفال ملف القضاء العسكري الاستثنائي، الذي لا يسمح بالادعاءات الشخصية ولا بالاستئناف، وحصره في الشؤون العسكرية، اي ان تكون مهمته محصورة باتخاذ التدابير المسلكية بحق العسكر، دون ان يتعاطى في عملية محاكمة المدنيين».

وعن تاريخ المحكمة العسكرية في لبنان، اشار الحلبي الى ان «القرار بإعطاء امتيازات للقضاء العسكري، والتي تشمل محاكمة مدنيين، جاء في ظروف نزاع اهلي، وتمدد القرار اثناء الحرب الاهلية. واستغلت الوصاية السورية هذه المحكمة وامتيازاتها لتمسك بها كما تريد، واستمر الامر حتى يومنا هذا. ان الامتيازات غير المشروعة للمحكمة العسكرية لا تنسجم مع حقوق الانسان والنظام الديمقراطي في لبنان. فهذا القضاء غالبا ما استُخدم بشكل انتقائي واستثنائي خدمة للاقوى، وليس لحماية الامن والمواطن، وهذا ما خلّف شعوراً بالاضطهاد لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين، وساهم في صناعة الارهاب بدلا من ان يكون اداة حقيقية لمكافحة الارهاب».

واعلن الحلبي عن «مشروع تقدمت به مؤسسة (لايف) الى وزارة العدل، يقوم عملياً على تدريب قضاة لبنانيين لتولي غرف مخصصة لمحاكمة اشخاص في قضايا الارهاب. هذه الغرف مهمتها احترام حقوق الانسان، واحتراف عملية التحقيق بالادلة الجنائية المبنية على العلم الجنائي، وليس كما نراه اليوم في بعض الاجهزة الامنية من استخدام العنف للحصول على افادة».

«الممانعة»: مخطط 

المملوك ـ سماحة حي يرزق

الحكم الصادر بحق سماحة تزامن مع إظهار رئيس مكتب الامن القومي للنظام السوري اللواء علي المملوك في صورة الى جانب الرئيس الاسد في دمشق. ثمة من يقول للبنانيين ان مخطط «المملوك- سماحة» حي يرزق، وبأن وسام الحسن رحل وبقي سماحة.. و«اعلى ما بخَيلكم اركبوه». لا بل اكثر من ذلك، فالرسالة من «براءة» سماحة جاءت لاحراج قوى «14 آذار» امام جمهورها، وبخاصة في ملف الموقوفين الاسلاميين، حيث يوجد العشرات منهم في سجن «روميه» بلا محاكمة حتى الآن، كما ان هناك الكثير من «الارهابيين» اتُّهموا بالتخطيط لاعمال ارهابية، وهي التهمة الموجهة لسماحة، وحوكموا بالاعدام. ربما يريد «حزب الله» والنظام السوري مخاطبة الشارع الاخر بالقول:« تطرّفوا.. ففي التطرف حماية»! هكذا واجه الاسد المطالب الشعبية قبل ان تتحول الى ثورة، بجرّ جزء من الشارع الى التطرف بعد ان تخلى العالم عنه! فمحور الممانعة يعيش في بيئة التطرف، على اعتبار انه سيكون البديل عن هذا التطرف، لكنه لا يعيش في دولة المؤسسات والقانون والعدالة الاجتماعية التي تطيح هيمنته. 

ينجو ميشال سماحة للمرة الثانية من العقاب. المرة الاولى كانت عندما شُمِلَ بقانون العفو العام عقب الحرب الاهلية بعد اتهامه بمحاولة اغتيال النائب وليد جنبلاط عام 1983. لكن عقاب ذوي القربى قد يكون اشدّ من عقاب المحاكم ! فهل يخرج سماحة من السجن بعد 7 شهور، فيعود الى حضن اللواء علي المملوك، ليلقيا معاً مصيراً اسود لطمس معلومات وحقائق يمتلكها الرجلان في قضايا كثيرة ومنها قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟ فقد يلقى الرجلان مصيرا مشابهاً لمصير «رفاقهما» في النظام الامني والشهود على حقبة الوصاية السورية في لبنان. (اللواء جامع جامع قُتل برصاص من الخلف، اللواء غازي كنعان انتحر بخمس رصاصات، اللواء رستم غزالي توفي بمرضٍ نادر، العميد محمد سليمان سقط برصاص قناص اسرائيلي على متن سفينة في عرض بحر طرطوس).

صحيح ان «ثورة الارز؟ استطاعت بفعل دماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري تحرير لبنان من السيطرة العسكرية السورية، الا ان الوصاية استمرت عبر حلفاء النظام السوري بأشكال مختلفة. وهذا يطرح اشكالية بناء الدولة المستقلة. لذلك فإن قوى الرابع عشر من آذار والشخصيات السياسية والمثقفين والناشطين، مدعوون اليوم الى العمل بجد ونشاط للالتحاق بـ«ربيع» المنطقة بهدف تحرير مؤسسات الدولة من الوصاية السورية حفاظا على ما تبقى للدولة من هيبة وما تبقّى للبنانيين من امل.