فقدت إيران صوابها مع عقد مؤتمر المعارضة الإيرانيّة مؤتمرها السنوي في العاصمة الفرنسية باريس، وهذا التوتّر والصراخ الإيراني نسمعه كلّما ارتقت مريم رجوي ـ رئيسة منظمة «مجاهدي خلق» المعارضة منذ أيام الشاه ـ منبر المؤتمر الباريسي، مع أنّ الخميني نفسه المعارض لنظام الشّاه والمنفي من قبل الشاه، وجد في باريس ملاذاً يستقبله في «نوفل لوشاتو»، وبرغم أنها كانت أشهراً أربعة إلا أنّ نقل الخميني إلى باريس كان نقلاً له إلى دائرة الضوء العالمي، عملياً كانت الأشهر الأربعة من إقامة الخميني في باريس، أهم منبع خبري عالمي، تصدّرت حواراته ولقاءاته أخبار العالم، ولكن؛ الجنون المضاعف الذي أصاب إيران هذه المرّة سببه حضور الأمير تركي الفيصل رئيس المخابرات السعودي السابق لمؤتمر المعارضة، ولإلقائه كلمة واضحة في هذا المؤتمر.
حان الوقت، أن يحسم العالم العربي قراره ويردّ إلى إيران بضاعة «تصدير الثورة» الفاسدة، لقد كفتنا عقودٌ أربعة ويزيد وهي تعيث فساداً في بلادنا، في كلّ وطن عربي تؤسّس لها تنظيماً أو حزباً يكون ذراعاً قذرة تنفّذ للإرهاب الإيراني غايته وأجنداته، ويمعنون في إضعاف أوطانهم لحساب إيران «الوطن» الذي لن يستقبلهم يوماً لأنّهم ليسوا من العنصر الفارسي!!
عندما قال الأمير تركي الفيصل أنّ «الخميني حاول فرض وصايته على كل الدول الإسلامية وأنّه أسس لمبدأ «تصدير الثورة» الإيرانية إلى الدول العربية والإسلامية وبدأ «تصدير الثورة» الإيرانية خلّف نزاعات كبيرة في دول العالم الإسلامي»، وما يزال هنا مربط الفرس، الذي يعيدنا إلى إعلان الخميني بنفسه ـ وبشرح توضيحي ـ تصدير الثورة إلى العالم!!
وفي خطاب له في 11 شباط 1980 أعلن الخميني «إنّنا نصدّر ثورتنا للعالم كلّه، فثورتنا إسلاميّة، وما لم يدوِّ شعار لا إله إلاّ الله محمد رسول الله في كل أرجاء العالم، سنواصل الكفاح، وما دام الكفاح متواصلاً في أي منطقة من العالم ضد المستكبرين، فنحن موجودون. حينما نقول إن ثورتنا يجب أن تصدّر إلى كل أنحاء العالم . لا يفهم من ذلك على نحو خاطئ إنّنا نريد فتح البلدان. إنّنا نعتبر كل بلدان المسلمين منّا»…
من المؤسف أن الدول العربيّة لم تتحرّك باكراً للجم طموحات الخميني الإمبراطوريّة الفارسيّة، ومن المؤسف أنها لم تتحرك إلا بعدما وصلت إيران إلى اليمن وكادت تحتل باب المندب، ومع هذا وفي اللحظة التي يصف فيها وكيل إيران الشرعي في لبنان أمين عام حزب الله الدول العربية بالتنابل، نجد إيران «عم تنطّ ما تحطّ» لمجرد مشاركة الأمير تركي الفيصل في مؤتمر المعارضة الإيرانية، وهذا يعني أن إيران قلقة ومتوترة وخائفة، وأن ما فعلته في المنطقة سيرتدّ عليها في أي لحظة وأن بضاعة زعزعة الإستقرار لن تلبث أن تميد بإيران بلد القوميات الخمس والبلوش والكرد قد بدأوا حراكهم العسكري على الأرض، والإيرانيّون يعرفون جيداً أنّ «طابخ السمّ ذائقه»!!
في مقدمة كتابه «ثورة الخميني… الثورة البائسة» [طبعة 2007]، يقول الدكتور موسى الموسوي: «لأول مرة يحدث مثل هذا الانحدار الخطير في تاريخ الإسلام، حيث تقوم شرذمة باسم الدين لتملأ العالم فساداً ونكراً وشراً لم يحدث له نظير من قبل ولا من بعد. وإنّ أخطر ما يكمن في هذا الفساد والشرّ هو أنّ هذه العصابة حاولت بكل ما أوتيت من قوة وسلطان أن تقلب الموازين الثابتة للأخلاق وتغير الحدود الرصينة بين الخير والشرّ وبين المدنية والهمجية، ولتقضي على كل ما سجلته العصور السالفة من الصور الرائعة للفداء والتضحية في سبيل الحرية وكرامة الإنسان، ولتشوه كل ما أعطته الشرائع السماوية للبشرية من خير وسعادة ولتمحو كل ما أملته المثل الأخلاقية في سجل الأخلاق، ولتضرب بعرض الحائط كل ما أملته العقول النيرة من دليل وبرهان».
وفي كتابه هذا يقول الدكتور الموسوي: «لقد وجهت إلى الخميني عبر خطاب اذاعي هذا السؤال:
ما هي العبقريّات التي تريد تصديرها إلى العالم؟ الفوضى والدّمار الشّامل في كلّ شؤون البلاد. إعدام الفتيات المراهقات والشباب الذين لم يبلغوا سنّ الحلم. إعدام الشيوخ الذين تجاوزوا الثمانين أو بلغوا التسعين. إعدام النساء الحوامل. الحرب الأهلية. الحرب مع الجيران وقتل الاخوة المسلمين. قتل الشعب من أبناء القوميات المختلفة بالآلاف. الانهيار الاقتصادي في كل مرافق الحياة. المحاكم الثورية التي تحكم بإعدام 100 شخص في 100 دقيقة. خمسة أنواع سجون وخمسة أنواع محاكم وخمسة أنواع قوى تنفيذية. ثلاثون ألف سجين سياسي. أربعة ملايين عاطل عن العمل. ثلاثة ملايين من منكوبي الحرب. التضخم بمعدل 400 في المائة في خلال سنتين. إغلاق الجامعات لمدة غير معلومة. إنهيار عملة البلاد إلى 500 في المائة من سعرها الرسمي…
لا أعتقد أنّه توجد مقبرة من المقابر الدّرِاسة في العالم تقبل بتصدير ثورتك إليها فإنها تكدّر حتى صفوَ الأموات، فكيف بالأحياء». وللحديث، وللكتاب تتمّة.