IMLebanon

فضح الدستور

تُعاني الطبقة المتحكّمة باللبنانيين من إشكالية لافتة، لأنها تنادي بالمطلب ونقيضه، وتمارس السياسة كهواية تهدف أوّلَ ما تهدف الى تحقيق «بِزنِس» وافِر، وينسى البعض أو يتناسى المطالبات السياسية والدستورية المتبدّلة حسب الأجندة والظروف. كل ذلك يبرز جَلياً واقع المؤسسات الرازح تحت هيمنة الفساد الذي بات يتطلّب أكثر من عملية استئصال.

ومَردّ الواقع المتراجع في السياسة والموجِع في ما نشهده من مُعضلات اجتماعية واقتصادية، هو انعدام القدرة على الاحتكام الى النص الدستوري الذي بدوره بات بحكم المغيّب والمعطّل لا بل المفضوح.

1 – المسألة الخطرة تتعدّى الشأن السياسي التقني، أي دينامية المؤسسات الدستورية، الى التأكيد المتعمّد من بعض الساسَة على فضح عورات النظام الدستوري بشقّيه النصّي، أي الدستور، والميثاقي، أي مبدأ المناصفة. وما طروحات إلغاء «الضمانة» الطائفية، ولا أقول القيد الطائفي، إلّا نغمة قديمة جديدة تهدف الى تعطيل أو تعليق أيّ مطالبات مشروعة بتحديث النظام الدستوري بعدما أشارت خبرة السنوات التي تخطّت الربع قرن الى شوائب جوهرية تعتري النصوص المرعيّة الإجراء وتعوق بشكل واضح وأكيد أيّ إنتاجية أو حتى أيّ توازن في صلاحيات المؤسسات الدستورية من خلال علاقتها في ما بينها، أو في قدرتها على حلّ الأزمات المستشرية أو وضع حدٍّ لها، وفي مقدمها إقرار قوانين سياسية حديثة لا ترتدي أيّ طابع فئوي او مذهبي، ومنها اللامركزية وما يتفرّع عنها من قوانين ومراسيم تطبيقية، إضافة الى قانون جديد للأحزاب وقوانين أخرى باتت العَصرنة القانونية والتكنولوجية تتطلّبها وبإلحاح.

إنها مسألة موجِعة أن نذهب الى الحوار وكأنّ الزمن عادي لا يقتضي أيّ موقف استثنائي وحاسم!

2 – تَلقّفنا كمواطنين ومراقبين الطروحات الآيلة الى إنشاء مجلس للشيوخ باستغراب وتساؤل عن الجدوى والتوقيت والهدف والخلفيات. وهذا الاستغراب غير ناشئ عن عدم ارادة في تطبيق النصوص التي أصبح بعضها جزءاً من الدستور، بل الى التأكيد المستمر أنّ النص الدستوري ناقص وغير منتج ومَوضوع لكي يتلاءم مع فدرالية حزبية أو فئوية تحكم بالتوافق وتبغي تحقيق مكاسب من كل الانواع، وذلك تحت ستار المشاركة.

وأين التعددية المتوازنة في كل ما شهدناه من ممارسات تنعدم فيها مبادئ المساواة والعدالة والتنوّع والكفاءة المطلوبة عند أهل الوزارة والإدارة والعدالة لكي تنهض البلاد بعد معاناة، وهذه طرق اتّبعَتها وبنجاح أنظمة وشعوب، فحرّرت نفسها وجَدّدت نخبها ووَطّدت أسس التعاون المنتج بين المؤسسات لا سيما الدستورية منها.

أمّا عندنا، فقد تَرنّحت النصوص والنفوس والاصول والشروط والقواعد عند اعتاب جَهل الواقع وتسويف الحقائق وتأجيل الاستحقاقات بغية التأكيد المستمر والمفضوح على فضح الدستور ووضع عدم قدرة النظام ومؤسساته على حلّ أيّ أزمة او معضلة او وضع أيّ خط او خطة من دون تخطّي النص بكلماته وروحه والقفز الى المجهول، وذلك تحت ستار التوافق والتواصل والحوار ودرء الفتنة ودَحر المخاطر، وكلّها أضحَت شعارات زائفة كانت نتيجتها أننا أضحَينا أمام فساد في القول والبيئة السياسية والصحية وإفساد في طريقة الادارة والريادة… وحجّة الأجندات الخارجية جاهزة دوماً لكي تضيع المسؤوليات الجسام وتتضعضع الهِمَم المتطلعة الى إدارة سياسية وإدارية مُنتجة وعصرية.

3 – فضحوا الدستور بعدما انفضَح كل المعلوم والمستور وسقطت إمكانات الترميم المصطنع لهيكليات دستورية مريضة. والمسؤولية الشعبية لا تقل اهمية عن أهل «البِزنس» السياسي، إذ إنّ الخيارات المقبلة في انتخابات 2017 من المعيب أن لا تَشتمِل على عنصر التحديث الحاسم، وعسى أن لا نأتي بوجوه جديدة من دون دينامية حديثة وخلفيات قادرة على إحداث الفِعل الايجابي الوطني، بحيث نحدّث الدستور من دون أن نَنقضه ونُعَصرن الأداء من دون أن نرمّمه، ونجدّد الدم السياسي والوطني من دون أن نعطي الثقة بضربة انتخابية عشواء ستدفع ثمنها أجيال بكاملها.