الجميع يسير على حافة الهاوية
مع تصاعد الأمور إلى الحد الحالي حيث تقف المنطقة بين حدي النار المضبوطة والحرب الموسعة، يبدو ان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يقامر من دون ضابط خلال واحدة من أدق الفترات منذ السابع من أكتوبر الماضي.
وهو إذ تبنى اغتيال الضاحية الجنوبية للقيادي الكبير في “حزب الله” فؤاد شكر قبل ساعات من اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية الذي لم يتبناه، فإنه يبدو غير مبال بمآلات الأمور لا بل يبدو راغبا بالمضي بسياسته طريقا وحيدا يقيه السقوط السياسي وبالتالي المحاكمة بعد تقليصه الفجوة مع خصمه بيني غانتس المتصدر في استطلاعات الرأي.
عقم سياسة الإغتيالات
على أن سياسة الإغتيالات لم تنجح يوما في وقف زخم حركات المقاومة فلسطينيا أو لبنانيا، منذ اعتماد تلك الضربات سياسة عدوانية ثابتة لضرب حركات التحرر الوطني قبل نيف و50 عاما..
فقد أدت تلك السياسة عبر التاريخ والتي اعتقد القادة الإسرائيليون انها ستربك أو ربما تقضي على استقرار تلك الحركات، وان كانت حققت ضربات معنوية، إلى تعزيز مد المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة “فتح” سابقا ومعها فصائل رئيسية مثل “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” و”الجبهة الديموقراطية” المنشقة عنها وغيرها، واتضح ذلك خاصة مع الانتفاضة الاولى داخل الاراضي المحتلة العام 1987، مع ان تلك الانتفاضة شهدت اغتيال لولبها المحرك خليل الوزير “أبو جهاد” العام 1988 في تونس ومن بعده صلاح خلف “أبو أياد” العام 1991 في تونس أيضا، من دون التمكن من إخماد الانتفاضة التي اثمرت وضع الفلسطينيين للبنة الاولى لوجودهم الابدي على أرضهم السليبة بعدها بأعوام..
الأمر نفسه مع حركة “حماس” التي تزعمت العمل المقاوم منذ التسعينيات والتي فقدت الأب المؤسس الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي العام 2004 وقادة عسكريين أهمهم يحيى عياش العام 1996 وصلاح شحادة العام 2002، ومثل “حماس” “حركة الجهاد الإسلامي” التي اغتالت اسرائيل مؤسسها فتحي الشقاقي العام 1995 في مالطا وغيرهم كثيرون لكن ذلك لم يفت من عضد الشعب الفلسطيني الذي فجر الانتفاضة الثانية العام 2000 والتي كانت اشد عنفا من الأولى.
وفي لبنان وجهت إسرائيل ضربات مؤلمة للمقاومات المختلفة ولـ”حزب الله” باغتيال أمينه العام (الثاني المعلن) السيد عباس الموسوي لتشهد المقاومة ولادة جديدة على يد خلفه السيد حسن نصر الله العام 1992 والباقي تاريخ يروي محطات الهزائم الإسرائيلية في لبنان مع ان المقاومة فقدت قائدها العسكري عماد مغنية العام 2008 وبعده مصطفى بدر الدين العام 2016 وغيرهما كثر..
المعنى هنا ان الاسرائيليين لم يفهموا يوما التركيبة العقائدية قبل العسكرية لهذه الحركات المقاومة ورؤيتها للصراع، خاصة تلك الإسلامية التي تقارب الصراع إيديولوجيا وترى هزيمة إسرائيل وعدا من الله سيتحقق آجلا أم عاجلا.
لهذا لن يختلف اغتيالا القائد العسكري في “حزب الله” فؤاد شكر ورئيس المكتب السياسي لـ”حماس” إسماعيل هنية عن ديدن التاريخ القريب منه والبعيد في كون ذلك لن يضع حدا للمقاومة من دون إنهاء الاحتلال وحصول الفلسطينيين أقله في هذه المرحلة على حقوق لهم في حكم أنفسهم..
في هذه الأثناء تعيش إسرائيل حالة مشابهة لتلك في لبنان من خشية وترقب لدى المدنيين أقله. هذا الحال سوف يتصاعد بالتأكيد مع الوقت ومع اتضاح أن سياسة نتنياهو لم تجلب الردع وبالتالي الأمان. هذا إذا وضعنا جانبا النزيف الإقتصادي (إرتفعت أسعار مواتير الكهرباء أخيرا) والمعنوي وحتى التسليحي والعسكري البشري وسط انقسام داخلي هو الأمرّ منذ نشوء الكيان الذي يخوض الحرب الأطول في تاريخه.
لدى الإسرائيليين الذين اتخذوا اجراءات عسكرية وامنية غير مسبوقة في قواعدهم ولدى مسؤوليهم، حتمية بأن الرد الذي سيُلقى على “حزب الله” عاتقه الأكبر، آت، كما ترى مصادر فلسطينية متابعة تنقل عن ديبلوماسيين غربيين قلقهم مما آلت إليه الأمور في هذه اللحظة من الحرب. ويبدي هؤلاء خشيتهم من توسع النار، خاصة نحو حرب موسعة وربما شاملة، وذلك مرده علمهم بأن نتنياهو متفلت من أي عقال، وسط ترقب لطبيعة هذا الرد ومدى إيلامه، وهو ما سيبني نتنياهو عليه.
وقد يعمد الحزب إلى الرد في اتجاه منشآت عسكرية في حيفا أو تل أبيب أو غيرهما عملا بمبدأ الرد بالمثل ضمن قواعد الاشتباك، وهنا سيكون الترقب اذا كان مدنيون سيسقطون أو ما اذا كانت منشآت حيوية ستُضرب من قبل محور المقاومة مع علم المحور بأن نتنياهو سيغتنم فرصة ذلك للمزيد من التدمير والقتل ولو خارجياً.
غموض التسوية
وإذا نظرنا إلى أصل القضية، فإن المشكلة الكبرى تتمثل في غياب الأفق للتسوية الحل وسط غابة من الطروحات أهمها تولي المجتمعين العربي والدولي إعادة الإعمار وتثبيت قوات ولو رمزية على الأرض للفصل بين الاحتلال والشعب الغزاوي وهو ما ترفضه “حماس” بشدة معتبرة أية قوات من هذا النوع احتلالا مقنعا.
الأزمة تتمثل ايضا في غياب النية الإسرائيلية للتفاوض مع الفلسطينيين على اساس حل الدولتين، ما يعني ان الأمر سيطول حتى يسقط رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في الانتخابات بعد اكثر من عام كون لا قدرة على اسقاطه اليوم ناهيك عن عدم القدرة على تشكيل معارضة سياسية وشعبية جدية ضده داخليا.
وبرفض نتنياهو ومن معه للسلطة الفلسطينية كمفاوض ودعوته إلى تنصيب من هم على شاكلة “جيش لبنان الجنوبي” سابقا، سيكون من الصعب التنبؤ بما ستؤول إليه الأحداث، وهنا مكمن الخطورة كون نتنياهو الذي يعلم تماما أن انتهاء الحرب يعني السقوط ثم المحاكمة، سيمضي حتى النهاية ولو أدى ذلك إلى حرب كبرى وسط غياب الكابح الأميركي وهو الذي ينتظر الرئيس السابق دونالد ترامب في الوقت الذي يبدو فيه الرئيس الديموقراطي جو بايدن في أوج ضعفه (لم يتمكن من كبح نتنياهو حتى فترات قوته).
لذا فالأنظار متجهة إلى أشهر الفراغ المقبلة، وفي هذه الاثناء سيسير الجميع على حافة الهاوية.