Site icon IMLebanon

«التمديد ـ 2»: تسع سنوات لقهوجي في اليرزة

الى جانب جهده الحثيث لتلافي الوقوع في حفرة الشلل الحكومي الكامل، يملأ الرئيس نبيه بري الخواء السياسي ببعض الملاحظات والانطباعات التي لا تصلح سوى لاستفزاز ميشال عون أكثر فأكثر، بما ان «مكتوب التمديد» قد كُتِب منذ أيام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي!

لا يتوقف الامر عند قناعة رئيس مجلس النواب بأن «من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه»، بل ان بري يستغرب ان يطرح «البعض» تعيين قائد جديد للجيش في الوقت الذي لم تنتهِ ولاية العماد جان قهوجي.

يقول ذلك وهو العالم بأمرين أساسيين: أولا ان ميشال عون لا يطالب بتعيين قائد جيش جديد في فترة ولاية قهوجي القانونية، التي امتدت عمليا من آب 2008 حتى ايلول 2013، بل استباقا لـ «خطيئة» تمديد ثانية قرعت أجراسها باكرا، مع اعتبار عون أن التمديد الذي وقّع عليه وزير الدفاع السابق فايز غصن الذي ينتمي الى كتلة حليفه سليمان فرنجية هو غير قانوني أصلا وغير جائز.

ثانيا ان سوابق عدّة حصلت في الماضي حيث عيّن قائد جيش جديد في ظل الولاية القانونية لقائد جيش حالي. هذا ما حصل مع العماد اميل بستاني الذي تبلّغ في كانون الثاني 1970، قبل سنة من تاريخ إحالته الى التقاعد، قرار مجلس الوزراء بالاستغناء عن خدماته وتعيين العميد جان نجيم خلفاً له. وتكرّرت السابقة مع العماد اسكندر غانم الذي أقيل عام 1975 إبان «حرب السنتين» وخلفه العميد حنا سعيد. ميشال عون أيضا استلم مهام القيادة من العماد ابراهيم طنوس عام 1984 ولم يكن قد مضى على وجوده في رأس القيادة أكثر من سنة ونصف.

التمسّك بـ «قشّة» الشكليات لتبرير تمديد حبكت أول خيوطه منذ التوقيع الاول عام 2013 على قرار تأجيل تسريح مدير المخابرات، (مع ان تعيينه يتمّ بموجب مذكرة يصدرها وزير الدفاع بناء على اقتراح قائد الجيش وليس بمرسوم في مجلس الوزراء)، يتكامل مع واقع ان الإبقاء على القيادات الامنية في مواقعها هو سمة المرحلة وقرار ثابت حجّته «الشرعية» خطورة الوضع الامني.

في اليومين الماضيين بدا الرئيس بري كـ «ملك التمديد». تصرّف كالناطق باسم «تيار المستقبل» مبرّرا تأجيل التسريح الضروري لسنتين للواء ابراهيم بصبوص، ومروّجا للتمديد الحتمي الثاني للعماد قهوجي «بسبب تعثّر التعيين».

هكذا سيتفرّج ميشال عون الغاضب على قائد للجيش تمركز في اليرزة لسبع سنوات، فيما سيمنحه التمديد الثاني مبدئيا ولاية عسكرية من تسع سنوات إذا لم يتمّ انتخاب رئيس للجمهورية خلالها!

لكن في مقابل اجتهاد مثلث بري ـ جنبلاط – الحريري لإبقاء حكومة تمام سلام على «قيد الإنتاجية» بحدّها الادنى، تجري على خط مواز ترتيبات عسكرية، هي بالعادة روتينية، لكن بالظرف الحالي تكتسب أهمية إضافية بالنظر الى المواقع الشاغرة وأسماء الضباط المرتبطة بها.

وتُبقي هذه الترتيبات مؤسسة الجيش مستمرّة بعدّة الشغل التي تلائم ظروف ومتطلّبات المرحلة القاسية والصعبة، تماما كما فعل الوزير نهاد المشنوق حين وقّع على تأجيل تسريح اللواء بصبوص لسنتين وأرفق خطوته بتشكيلات الضرورة في بعض المواقع الامنية. يحصل ذلك، بمنأى عن كل الضجيج الخارجي وقرع طبول المواجهة والتشكيك بشرعية المجلس العسكري وضباط كبار في القيادة.

في ايلول المقبل ينهي مدير المخابرات ادمون فاضل سنوات خدمته «كاملة» في السلك العسكري، أي 42 عاما. لا إمكانية هنا طبعا للحديث عن تأجيل تسريح لا يجيزه قانون الدفاع. لكن سيكون لافتا إشارة بعض المطلعين الى ان التوجّه العام في اليرزة هو التمنّي لو أن القانون يسمح بذلك لكي يبقى فاضل في مكتبه بالنظر الى حساسية موقعه والملفات الهامة التي تابعها.

بالنهاية، سيفرض التعيين نفسه، وهو الذي كان محظورا في السابق، حيث سيترافق التمديد لرئيس الاركان وقائد الجيش مع تعيين مدير مخابرات جديد، مع العلم ان اسم البديل جاهز ومحسوم، فيما سيفرض هذا التعيين بدوره إجراء حركة مناقلات ضمن مديرية المخابرات مراعاة للتراتبيات العسكرية.

بالتزامن، يشهد الجيش على السكت حركة مناقلات تدريجية، إما بسبب إحالة ضباط الى التقاعد أو لأسباب تتعلق بطبيعة المرحلة، كما حصل مع رئيس فرع مخابرات الشمال العميد عامر الحسن، ويتوقّع صدور تشكيلات جديدة قريبا مع دخول دفعة جديدة من العمداء مدار التقاعد في اول تموز المقبل وبينهم نائب مدير المخابرات ورئيس فرع مخابرات الجنوب وقائد اللواء السابع وقائد اللواء الاول وقائد فوج المدرعات الاول…

كل هذا المشهد يواكب بغطاء استثنائي من حكومة تجاهد أصلا للبقاء على قيد الحياة في ظل السعي لاستيعاب تردّدات الزلزال العوني الرافض لتكريس منظومة التمديد في المواقع الامنية والعسكرية، فيما يرى كثيرون ان اختبار عرسال، بلدة وجرودا، على ضوء قرار مجلس الوزراء الاخير، سيشكّل الامتحان الاقسى للقيادة الممدّد لها.

وفي هذا السياق، تدعو أوساط الى الاستفادة من الاجواء الاستثنائية الحاضنة لـ «القيادة الحكيمة» وعدم الانتظار حتى آب أو ايلول لكي تمدّد مجددا لـ «الممدّد له» لأنها بذلك توفّر على البلد مزيدا من التشنج بحسم تأجيل التسريح الثاني باكرا، ولأنها بذلك تبعد القيادة نفسها عن المزيد من «الطقوس الاحتفالية» الغريبة عن نسيج المؤسسة العسكرية!