اسمان درزيان لرئاسة الأركان يحظيان بالإجماع
في المرحلة التي بدأ فيها ميشال عون يرفع سقف المواجهة مع حكومة تمام سلام الى الحدّ الاقصى، ويستشعر في الوقت نفسه بدء تنصّل الرئيس سعد الحريري من التزاماته تجاهه، جاء من يسأل الجنرال «على ريق» يوم أحد خلال «صبحية» هي من تقاليد الرابية الاسبوعية «يبدو انك قرّرت ان تذهب الى الآخر في المواجهة. اعلنت الاستنفار العام ورفعت السقف عاليا الى درجة ان اي تراجع، ولو خطوة صغيرة الى الوراء، سيشكّل خسارة كبيرة لك بسبب حجم التهديدات التي تطلقها ردّا على عدم تنفيذ مطالبك».
يضيف زائر عون «لكن انا أؤكد لك منذ الآن. التمديد لمدير عام قوى الامن الداخلي حاصل حتما (لم يكن تأجيل التسريح قد حصل بعد)، وسيليه على التوالي التمديد لرئيس الاركان والامين العام للمجلس الاعلى للدفاع وقائد الجيش. ثمّة مسار لا يمكن وقفه لأن لا احد يريد ذلك بكل بساطة. ماذا ستفعل؟».. باقتضاب كليّ أجاب عون «سأفاجئهم من حيث لا يتوقعون».
لاحقا كشف مسار الاحداث ان «الاسطول» الذي وقف ميشال عون بوجهه لديه مناعة فائقة على المفاجآت غير السارة. إدارة الظهر للمبادرة الرئاسية باقتراحاتها الاربعة التي أطلقها في أيار الماضي، ثم لقراره بتقديم الانتخابات النيابية على الرئاسية، استخفاف بخيار الاستطلاع الرئاسي وإفراغه من رمزيته المسيحية، تحجيم تحرّك «التيار الوطني الحر» في الشارع واستخدامه ضدّه، واعتماد النفس الطويل حيال أزمة اتخاذ القرار داخل مجلس الوزراء…
ثم جاء الاتفاق النووي ليدعم فريق «14 آذار» بجرعات من الاستقواء بهمّة السعودية التي بادرت فورا الى استدعاء «جماعاتها» تحت عنوان «لا مهادنة مع ايران» وتجميع ما أمكن من أوراق المواجهة للاتفاق الاممي.
في هذا السياق قرأ العونيون بدقة كلام سمير جعجع المؤكّد على ان «ان المنطقة بعد الاتفاق النووي مقبلة على مزيد من التصعيد لا على مزيد من التهدئة».
قراءة مرفقة ببعض التساؤلات «اين سيصرف جعجع مشروب الطاقة الذي شربه في السعودية. فمستحيل ان يخرج من لقائه مع الملك السعودي تحديدا من دون تعهدات. الايفاء بهذه التعهدات سيكون إما على الساحة المسيحية التي باتت مكبّلة بورقة نيات مانعة مبدئيا لعودة الامور الى نقطة الصفر، او على الساحة الشيعية ـ السنية من خلال إعادة ربط النزاع الصدامي مع حزب الله، لكن هذا المحور تحديدا يشهد اليوم حالة من التراخي نتيجة حاجة الطرفين الى التهدئة».
هكذا وبدلا من ان يشهد المحتــفون بانتــصار ايران في الملف النووي على إنفــراجات جزئــية، إن في الملف الرئاسي او على جبهة التعيينات، فإن المشهد الممتدّ من معراب الى كليمنصو وصولا الى السرايا يشي بعكس ذلك تماما.
تمام سلام، وفي عزّ أزمته الحكــومية، «يفتي» بالحياد في رئاسة الجمــهورية، وجعــجع يوزّع معنــويات على المحور الخائب من التوافق الايراني ـ الاميركي، ووليد جنبلاط يخضع مرّة أخرى، كما تقول أوساط عون، للإملاءات السعودية بعدم كسر مسار التمديد للقيادات الامنية.
ووفق المعلومات، كانت الرابية في الاسابيع الماضية على تواصل مباشر مع الاخير وفهمت منه بشكل صريح أنه يحمل اسمين لضابطين درزيين ليحلّ واحد منهما مكان رئيس الاركان الممدّد له لسنتين اللواء وليد سلمان في حال رسا التوافق على التعيين داخل مجلس الوزراء.
لكن أوساط عون تؤكّد أنه كما تراجع جنبلاط بشأن خياره في دعم العميد شامل روكز لقيادة الجيش، ها هو يفعلها مرّة ثانية بضغط مباشر من السعوديين وبتوافق تام مع الرئيس الحريري. مع ان «البيك» بدأ يلمس التململ داخل المؤسسة العسكرية، تحديدا لدى الضباط الدروز، من الاعتبارات غير المبرّرة وغير المفهومة التي تضع حدّا لطموحاتهم بالتقدمّ وإثبات جدارتهم داخل المؤسسة.
ولن يزيد الطين بلّة سوى مؤشّرين يصدف أن مصدرهما واحد.. اليرزة: وزير الدفاع سمير مقبل يتقصّد الايحاء بأن حسم مسألة رئاسة الاركان لا يتمّ إلا بعد التشاور مع النائب جنبلاط، فيما هذا الامر لم يحصل مع ميشال عون في ما يخصّ الموقع المسيحي الاول في الهرمية العسكرية وهو قيادة الجيش.
ومقبل الذي لم يزر الرابية للتشاور مع قائد الجيش ورئيس الحكومة الاســبق منذ تعيــينه وزيــرا، لا يبدو أنه بوارد فعلها اليوم وســط حــالة التشنّج الكبــيرة التي تحكم العلاقة بين الطرفين. يقول وزير الدفاع ان «الجنرال يمون». في الممارسة ثبت بالوجه الشرعي أنه لا يمون!
وإذا كان لمقبل مقاربته التي تقول إنه سيطرح بند تعيين رئيس أركان «لكنه ما بيمشي لاننا عاجزون عن تعيين ناطور»، فإن مسار التطوّرات يشي بصعوبة الوصول الى مرحلة مجرد طرح التعيين على طاولة مجلس الوزراء، أولا لأن لا توافق على الآلية الحكومية بعد، وثانيا لان هذا التعيين لا يأتي ضمن سلّة متوافق عليها تشمل تعيين قائد الجيش وأعضاء المجلس العسكري.
المحيطون بالعماد عون يصفون مقبل بـ «ملك المراوغة والكذب»، مؤكّدين «ان هناك إجماعا على اسمي العميد مروان حلاوي والعميد دريد زهر الدين لرئاسة لاركان، فما حجّة مقبل للسير بتمديد يكرّس مخالفته الصريحة والفاضحة للقانون والدستور؟». وهم ينطلقون من احتمال توقيع مقبل لقرار التمديد قريبا ليؤكّدوا «ان كل فعل سيقابله ردّة فعل، ولن نسكت على ذلك».
أما المؤشّر السلبي الآخر فهو، بمنظار العونيين، «إصرار القيادة في اليرزة على التعاطي مع تحرّك الشارع بمرحلته الثانية، إن حصلت، وكأنه مشروع هجوم على السرايا والاملاك العامة، في تشويه مقصود لاهداف هذا التحرّك الشعبي وايحاء منظّم برغبة المتظاهرين بالقيام بأعمال شغب وافتعال صدامات مع عناصر الجيش».
لكن هؤلاء يميّزون عمليا بين مؤسسة الجيش الحاضنة لكل اللبنانيين والمؤازرة لهم التي تخضع للقوانين والتي يعتبر الدفاع عنها وعن هيبتها من أولويات مهام «التيار الوطني الحر»، وبين من يحاول إقحام الجيش في زواريب ضيقة تأخذ احيانا شكل «مصادر مدسوسة» لدقّ الاسفين بين المؤسسة وابنائها!
قهوجي في الزهراني: لتكاتف الجيش مع الشعب
شدد قائد الجيش العماد جان قهوجي على «قرار الجيش الحازم في التصدي بكل قوة لأي محاولة لزعزعة الاستقرار، وهو سينتصر حتما كما انتصر سابقا»، مؤكدا ان «ما جرى منذ عام وحتى اليوم، قد أثبت بشكل قاطع أن تكاتف الجيش مع الشعب أقوى من كل المؤامرات والفتن التي يبيتها العدو الإسرائيلي والإرهاب ضد الوطن».
كلام قهوجي جاء خلال تفقده الوحدات العسكرية المنتشرة في منطقة الزهراني، حيث جال في مراكزها واطلع على إجراءاتها الميدانية وأوضاعها المختلفة، كما التقى أبناء العسكريين الشهداء.
ونوه، اثناء اجتماعه بالضباط والعسكريين، بـ «جهود قوى الجيش وتضحياتها للحفاظ على مسيرة السلم الأهلي»، مشيرا إلى أن «الاستقرار الأمني في لبنان لا يزال الأفضل في المنطقة قياسا على ما يجري من أحداث خطيرة في العديد من بلدانها، وهذا ما تؤكده النشاطات الثقافية والسياحية التي تشهدها البلاد هذا الصيف، على الرغم من استمرار التجاذبات السياسية والمصاعب الداخلية».
وأكّد قهوجي «تمسك المؤسسة العسكرية بدورها الوطني في الحفاظ على وحدة لبنان والعيش المشترك بين أبنائه، وأن جميع محاولات التشويش على هذا الدور لن تنجح على الإطلاق»، مضيفاً: «نحن كجيش معنيون بالمحافظة على الدولة ومؤسساتها، والمحافظة على كيانها. نحن نحمي الدولة وحرية الانسان. شعارنا الشرف، التضحية، الوفاء: بندقيتك هي الشرف، وصمودك هو التضحية، ولبنانيتك الصافية هي الوفاء».