Site icon IMLebanon

التمديد.. والتحرير وانتخاب الرئيس؟

التمديد لمجلس النواب ليس إنجازاً للنظام الديمقراطي، بقدر ما هو وصمة سوداء جديدة على جبين الطبقة السياسية المفلسة!

هو التمديد الثاني، وبعد خمسة عشر شهراً من اعتماد التمديد الأول، وهذا يعني أن الأطراف السياسية بقيت غارقة في دوّامة خلافاتها، ولم تستطع التوصّل إلى صيغة وسط لقانون انتخابات جديد، بل، ولعل هذا الأصح، لم تُجرِ أية محاولة جدّية للتوافق على قانون انتخاب، يُرضي جبهتي النزاع الحالي: 14 و8 آذار!

ويأتي التمديد الجديد لمجلس النواب، وللفترة المتبقية من الولاية الرباعية الدستورية، وكأنه «مكافأة» لمجلس نيابي فشل أعضاؤه في انتخاب رئيس للجمهورية، رغم مرور أربعة أشهر على شغور الرئاسة الأولى، من دون أن تظهر في الأفق علامات على انتخاب وشيك للرئيس العتيد!

والأنكى من ذلك، أن هذا المجلس بالذات، والذي سيُمدِّد لنفسه سنتين وسبعة أشهر بالتمام والكمال، هو أقل المجالس إنتاجية، في تاريخ المجالس النيابية التي انبثقت عن دستور الطائف!

ومن حق كل لبناني أن يتساءل:

 { هل التمديد الثاني سيكون الأخير من نوعه؟

{ ما هي الضمانات على أن المجلس الذي فشل، حتى الآن، في إنتاج قانون انتخابي عصري، ولم يفلح في تأمين الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري، سيكون أداؤه أفضل في المرحلة المقبلة؟

{ لماذا لا ينسحب التوافق بين الخصوم على التمديد، تنظيماً للخلافات حول الملفات المستعصية، طالما يتعذر الوصول إلى توافق ما بشأنها؟

* * *

التمديد القسري لمجلس النواب، ليس مؤشر الإرباك الوحيد، الذي تتعثر فيه خطوات الدولة وقراراتها، منذ فترة من الزمن!

الاضطرابات الأمنية المتنقلة بين مختلف المناطق، والخطط الأمنية العرجاء، تأتي في مقدمة تلك المؤشرات، تليها سلسلة من الإرباكات، تبدأ بالعجز المالي المتمادي للخزينة، وتمر على جمود الحركة الاقتصادية وتراجع نسبة النمو للسنة الرابعة على التوالي، وتفاقم مشاكل النازحين السوريين أمنياً، واقتصادياً واجتماعياً، وصولاً إلى ملف العسكريين المحتجزين مع المسلحين في جرود عرسال.

ولعل مسألة العسكريين هي الأكثر إلحاحاً للمعالجة، وإيصالها إلى الخواتيم السعيدة، نظراً لانعكاساتها على الأجواء العامة في البلد أولاً، وحرصاً على هيبة وكرامة، ليس المؤسسة العسكرية وحسب، بل وكل لبناني يَعتبر كرامة الدولة والجيش جزءاً لا يتجزأ من كيانه وكرامته.

اللبنانيون، الذين عاشوا مأساة عائلات العسكريين، وتعاطفوا مع معاناة الوالدين، والزوجة والأخت والأولاد، يشجعون الحكومة والمرجعيات الرسمية الأخرى، على اتخاذ كل الإجراءات اللازمة التي تكفل تأمين تحرير العسكريين من خاطفيهم، في أسرع وقت ممكن.

لقد آن الأوان، لمغادرة المواقف الرومانسية، والتصريحات العنترية، برفض اعتماد تبادل العسكريين بعدد من سجناء الحركات المتطرّفة، سواء أكانوا من المحكومين أم من الموقوفين، من دون أن يعني ذلك النيل من هيبة الدولة، أو الدلالة على ضعفها، أو تهاونها في الحفاظ على مقتضيات الأمن والنظام العام.

سبق وقلنا، أن دولاً كبرى، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا، خاضت غمار مثل هذه المفاوضات الصعبة، وتجرّعت مرارة كأس المبادلة، لتحرير مواطنيها من خاطفيهم، وإنقاذهم من الأخطار التي تحدق بهم.

ولبنان بالذات عايش مثل هذه التجربة، عبر عملية التبادل الضخمة، بين أسرى المقاومة المعتقلين في السجون الإسرائيلية، وعدد من جثث ورفات جنود العدو الإسرائيلي، فكان أن تمّ تحرير العشرات من المقاومين اللبنانيين والفلسطينيين، مقابل جثتي الجنديين المخطوفين عشية اندلاع حرب تموز 2006، إلى جانب بقايا رفات لعسكريين إسرائيليين.

فهل نالت تلك العملية من هيبة الدولة الصهيونية التي تحرص، حتى على كرامة جثث جنودها، وتخوض الحروب لتحرير أسراها؟!

 * * *

ولكن.. ماذا بالنسبة لانتخابات الرئاسة؟

 ليس دقيقاً الكلام عن أن القطار الرئاسي متوقف في محطة خارجية.

الأصح أن الأطراف السياسية العاجزة عن إدارة خلافاتها بكفاءة معقولة، فشلت في استغلال الانشغال الدولي والإقليمي باضطرابات المنطقة، ولم تستطع تمرير الاستحقاق الرئاسي بأكبر نسبة متاحة من صناعته داخل لبنان!

هذا لا يعني وجود فيتوات إقليمية أو دولية على بعض الأسماء المطروحة في بورصة الترشيحات، وهذا الافتراض لا يمنع من حصول توافق على واحد من مجموعة الأسماء التي حظيت بقبول داخلي وخارجي.

ولم يعد سراً أن أصحاب الفيتوات أنفسهم، يحثون الأطراف اللبنانية على تسريع خطى الانتخابات، لحماية البلد من تداعيات العواصف الهوجاء التي تضرب دول الجوار، وبدأت صواعقها تشعل الأطراف اللبنانية!

ولا ندري إذا كان العماد ميشال عون قد أدرك مؤخراً استحالة وصوله إلى قصر بعبدا، لاعتبارات تتعلق بحلفائه وبخصومه في آن، فضلاً عن بعض العقبات الخارجية، وبالتالي فإن تغيير استراتيجيته الحالية القائمة على شعار: «أنا أو لا أحد»، أصبح أكثر من ضرورة، لمصلحته أولاً، حتى يحافظ على موقعه كناخب أوّل وأكبر للرئيس المسيحي، وإلا قد يصحو يوماً، ويُفاجأ بأن العملية الانتخابية، تمت على حين غرّة!

 * * *

المرحلة التي يمرّ بها لبنان خطيرة، وأوضاع المنطقة أكثر خطورة، نظراً لتداعياتها المدمرة على دول الإقليم، الأمر الذي يتطلب العودة إلى سبل العقل والحكمة، وطي صفحة الخلافات العقيمة، واعتماد الحوار سبيلاً وحيداً للبحث في تدوير الزوايا، واختراع الحلول المناسبة!