مرَّ التمديد للمجلس النيابي مثلما كان متوقّعاً. الجميع يغسلون أيديَهم من هذا «الإثم»، مع العِلم أنّهم كانوا يعلمون منذ ما قبل انتهاء الولاية الرئاسية السابقة، أنّ هذا «التمديد» آتٍ لا محالة، وأنّ البحث ليس في المبدأ، إنّما في المخرَج والمُدة والنصّ.
النقاش اليوم في شرعية المجلس يبدو عقيماً. لا فائدة من المزايدات التي يمارسها البعض، ولا أهمية للصراخ من هنا وهناك. وحدها صرخة المجتمع المدني والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي هي صرخة مبدئية صادقة، وما عدا ذلك من مواقف ليس سوى نزاع مع طواحين الهواء، وقفزات «دونكيشوتية» في نظام سياسي أفلس أو شارف على الافلاس.
لا جدوى من الاستثمار في ما حدث لخلق نقاش سياسي زائف. الكتل الممثلة في البرلمان وفق قانون «الدوحة»، هي القوى السياسية الوازنة والفاعلة في البلد. ولو جرت الانتخابات اليوم ستصل الى سدّة «التمثيل الشعبي» بالمنطق والتقدير والاحصاء، الوجوه والكتل السياسية الموجودة نفسها، وربما بفروق بسيطة غير ذات أهمية أو قدرة على خلق تغيير جدي في الحياة السياسية او المؤسساتية.
لا يُنسى أنّ لبنان بلد استثنائي، وأنه استطاع حتى الآن البقاء مستقراً نسبياً على رغم الزلزال الكبير الذي يضرب المنطقة. حتى عندما كانت المنطقة مستقرة ولبنان يعيش حرباً أهلية مدمرة، جرت الإفادة من وجود مجلس العام 1972 الممدّدة ولايته كثيراً، من أجل اقرار وثيقة الوفاق الوطني المعروفة بـ «اتفاق الطائف»، والدخول في حقبة «السلم الاهلي».
المجلس النيابي المترهل والناقص والذي لا يمثل الواقع السياسي الذي أنتجته الحرب، أقرَّ «الدستور اللبناني»، وبنيت عليه حقبة كاملة اسمها حقبة «الطائف»، ولا زال لبنان يعيش وفق منطوقها حتى الآن.
لا شيء في الدستور عينه يمنع «التمديد لمجلس النواب»، ولا نصّ يمنع هذا التمديد. اليس جديراً بالجميع البحث عن صيغ دستورية لمجمل تجربتهم ومآلاتها السياسية؟ ألم يحن الوقت لورشة تعديلات دستورية تمنع «خرق القوانين»، وتنصّ على ما يتفق عليه اللبنانيون ويشرّعونه بالكلمة والفكرة والحرف؟
الدساتير تعبّر في الغالب عن إتفاق الأمة ومواثيقها ومصالحها. الدستور التونسي مثلاً يتيح تمديد ولاية المجلس تلقائياً إذا تعذَّر إجراء الانتخابات، وطالما أنّ تمديد الولاية وارد في أيّ لحظة في لبنان، لماذا لا يصبح نصاً دستورياً مرتبطاً بورشة تطوير وإصلاحات من الرأس حتى الهرم.
ما يطرحه «التمديد» على الجميع ليس أزمة حكم أو سياسة، بل أزمة نظام بات عاجزاً عن إيجاد المخارج والحلول التي هي في صلب وظائفه. لا أحد يضمن إجراء الانتخابات حتى بعد انقضاء المُهَل، وظروف لبنان مرتبطة بظروف المنطقة، ولا شيء يمنع أن تطول ازمة الاقليم سنوات، فنجد انفسنا من تمديد الى تمديد، ومن انتظار الى انتظار، وفي الاثناء تتحلّل المؤسسات وتهترئ ويصيبها الشلل والضعف والوهن.
خطوة رئيس مجلس النواب نبيه برّي في الدعوة الى اجتماع «لجنة قانون الانتخابات» النيابية تتلمس هذا الواقع، وتحاول أن تجعل من التصويت على اطالة عمر مجلس النواب جسراً نحو التصويت على قانون انتخابي جديد ومتوازن.
ينبغي البدء من مكان ما بعيداً من الآفاق الضيقة وسياسات الحواري والزواريب. إذا اقرّ هذا المجلس النيابي قانوناً انتخابياً جديداً يضع حداً لكلّ تشكيك صدر عن شرعيته من عدمها.
هذه هي فلسفة رئيس المجلس على الأرجح، لا بدّ من «إنتاج سياسي»، يغطي على التجاوز القانوني الذي جاء برضى غالبية ممثلي الشعب اللبناني، وأهمّ ما يمكن أن تفعله القوى السياسية التي توافقت على «التمديد»، هو أن تتوافق على قانون انتخابي، وتوسيع دائرة التوافق لتشمل جميع القوى الوازنة والفاعلة.