على رغم الكلام على تسوية تردّد انه كان يجري العمل عليها تقضي برفع سن التقاعد لضباط الجيش بحيث تبقى حظوظ العميد شامل روكز قائمة من اجل تسلم قيادة الجيش لاحقاً في موازاة تأجيل تسريح كل من قائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس الاركان اللواء وليد سلمان والأمين العام للمجلس الاعلى للدفاع اللواء محمد خير لمدة سنة، وساهم في الترويج لها وزراء ونواب من “التيار الوطني الحر”، فان هذه التسوية لم تجد صدى فعليا لها ولم تبد قابلة للعيش بل سقطت فوراً لاعتبارات متعددة. لعل أهم هذه الاعتبارات ان اي رفع لسن التقاعد من شأنه ان يرتب كلفة مالية هائلة نتيجة التعويضات التي تترتب للضباط الكبار في الوقت الذي يحتاج الجيش الى هذه الأموال من أجل دعم العناصر وتقوية الجيش كما انه يقلب القاعدة الهرمية للجيش من حيث تضخم عدد الضباط الكبار فضلا عن انه يدحض النظام الذي اعتمدته قيادة الجيش عبر تشجيع الاستقالة للضباط من الرتب العليا من اجل تقليص عدد العمداء في الجيش.
وتقول مصادر سياسية حليفة للتيار العوني ان قرار التمديد للقيادات العسكرية بدا انه يتخطى الجميع شأنه في ذلك شأن قرار المحافظة على الاستقرار وعلى الحكومة ايضاً. إلا ان ذلك لا ينفي ان القرار حشر التيار العوني بقوة خصوصاً انه ليس قراراً اتخذه خصوم التيار بل ساهم فيه حلفاؤه ايضا بالدرجة نفسها وهم لم يقفوا في نهاية الأمر عند خاطر زعيم التيار العماد عون الرافض للتمديد للقيادات الامنية فيما خسر التيار الرهان على عدم التمديد لقائد الجيش وكذلك الرهان على ايصال البديل اي العميد روكز لهذه القيادة في موازاة تراجع ملحوظ لحظوظ العماد عون في رئاسة الجمهورية.
هل حشر الأفرقاء السياسيون من الخصوم والحلفاء التيار العوني أم أنه حشر نفسه؟ تتساءل مصادر وزارية وسياسية على حد سواء استناداً الى اقتناع بان التيار اوصل نفسه الى مكان بات يفتقد فيه الى هامش المناورة.
لعل العامل الأبرز الذي قفز أخيراً الى الواجهة وساهم في حشر زعيم التيار العوني كان الموقف الذي اعلنه رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي عبر فيه عن تباعد قوي مع حليف الحليف وتمايز كلي في مقاربة الامور الى حد انه شكل مؤشراً مهماً الى مسار الامور من ضمن قوى 8 آذار تحديداً لجهة عدم إمكان الاستمرار في مسايرة العماد عون او مواكبته ودعمه في تصعيد مطالبه في الوقت الذي بات البلد فيه على شفير الهاوية. وكان الحليف المسيحي الابرز للتيار النائب سليمان فرنجيه عبر عن تناقض قوي هو ايضا بين مقاربته للامور ومقاربة التيار لها بحيث نقض الكثير من المنطق الذي يتحصن به من اجل مواجهة خصومه. والمآخذ التي سجلت على زعيم التيار في هذا الاطار انه رمى كل الاوراق التي يملك دفعة واحدة في مدة زمنية قصيرة وأحياناً في ما لا يتعدى المؤتمر الصحافي الواحد مستحضرا عناوين كبيرة لم يتوقف في اثارتها عند أي تنسيق فيها مع الآخرين وما اذا كان طرحها على سبيل المناورة او لاكتساب جدية ما. فكانت هناك حقوق المسيحيين والفيديرالية والانتخابات الرئاسية من الشعب وانتخابات نيابية قبل الانتخابات الرئاسية واستطلاعات الرأي وما الى ذلك حيث لم تجد هذه الاقتراحات سوى رد فعل سلبي حتى لدى حلفائه. وذلك في حين ان كلا من هذه الاقتراحات تستحق البحث والدراسة لعلها تجد سبيلا للتنفيذ في ظروف مختلفة ويوافقه على غالبيتها معظم الافرقاء المسيحيين الذين لم يتضامنوا مع عون ولم يخفوا انزعاجهم انه ساهم في احراق هذه الاوراق او الجزء الأكبر منها بحيث يصعب استخدامها للحصول على مطالب فعلية حين تتوافر بعض الظروف لذلك. وهناك من يثير ايضا مسؤولية التيار في عدم التقاط الفرصة من أجل محاولة الحصول على قيادة الجيش حين عرض عليه اقتراح ان يتجاوب في البحث عن شخصية وفاقية لرئاسة الجمهورية بدلاً من الاستمرار في الاصرار على شخصه خشية ان يخسر رهانه على الموقعين معاً أي رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش اذا استمر التمسك بالحصول عليهما وفق ما ينقل عن السفير الاميركي ديفيد هيل تحذيره العماد عون في هذا الشأن.
وضيق هامش المناورة يتمثل في ضيق الخيارات المتاحة. ففي ظل السقف الذي رسمه كل من الرئيس بري والامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله حول الحكومة على اساس ان استقالتها هي خط احمر، فان التحرك في الشارع اعتراضاً لا يبدو خياراً يمكن ان يؤدي الى نتيجة. فيما تخشى المصادر الوزارية ان تفعيل الحكومة يحتاج الى ان يتراجع أحد ما عن موقفه او ان تضيق الخلافات، علماً ان رئيس الحكومة تمام سلام أخرج موضوع النفايات من بازار الحكومة الى خارجها. وتعطيل الحكومة قد يكون بات محرجا للفريق المعطل ما دام الرئيس بري يقف في الموقع المناقض تماما للتعطيل وهو يشكل رافعة مهمة للحكومة ما يساهم في شد الخناق على افرقاء من ضمن قوى 8 آذار نفسها. أضف الى ذلك انه يرفع مستوى الضغط عبر الاستحقاقات والمتطلبات المالية الداهمة بحيث ان التقاعس عن تفعيل عمل مجلس الوزراء قد يرتد سلباً على افرقاء من ضمن هذه القوى خصوصا متى كانت معاشات ورواتب المواطنين على المحك.