النقطة الايجابية في مسألة التمديد لمجلس النواب، والذي هو امر سلبي في حد ذاته، هو التوافق بين التيارين الاساسيين للسنة والشيعة في البلد على هذا الموضوع في زمن وفي منطقة عز فيهما التفاهم بين المذهبين في دول يشتد الصراع فيها بينهما. يحتاج لبنان الى تمرير الوقت الضائع بالحد الادنى من الخسائر. ما يمكن ترجمته تبعا لذلك، في رأي مصادر سياسية، انه توافق على ستاتيكو الحد الممكن من الاستقرار في البلد من دون اي تغييرات درامية اقله من حيث المبدأ والذي ينأى الزعماء المسيحيون بانفسهم عن المشاركة فيه تحت وطأة رفض شكلي من دون جدوى كونهم سيعملون به ويستمرون نوابا أعضاء في المجلس بموجب التمديد الذي يرفضونه علناً، فيما يظهرون كأنهم ينفذون قرار التمديد المطلوب من الآخرين ولا يشاركون في وضعه او صياغته او تعديله اذا امكن، وكأنهم بذلك يهمّشون انفسهم. وليس مؤكداً ان يكون هذا الموقف مربحاً للزعماء المسيحيين ويمكن استثماره على المستوى الشعبي في انتخابات نيابية باتت ستجرى في 2017 في حال بقيت الامور على حالها ولم تتغير جذرياً تبعا لتداعيات التطورات في المنطقة او في مزايدات شعبية ليس واضحاً كيفية استثمارها. لكن واذ يكتسب الحصول على موافقة مسيحية اهمية في اللعبة السياسية الداخلية، فإن الأهمية البالغة بالنسبة الى مصادر ديبلوماسية غربية هي محافظة لبنان على قدر ممكن ومقبول من التوافق السني الشيعي على بعض المسائل التي تحفظ، من جهة، استمرار الحكومة قائمة بالحد الادنى، وعلى استمرارية مجلس النواب من جهة اخرى، بما يعنيه ذلك من تأمين استمرارية المؤسسات في لبنان ومنع انهيارهما خصوصا بعد فشل انجاز انتخابات رئاسة الجمهورية. لا غنى عن الانتخابات الرئاسية، تقول هذه المصادر، لكن الفرصة المناسبة لها لم تلتقط في حينها من اجل الضغط في اتجاه اجرائها ولا يمكن رهن اجراء انتخابات نيابية بها. والجدير ذكره ان المسار الذي سلكه لبنان خلال السنة الحالية من فشل اجراء انتخابات رئاسية، ومن ثم الذهاب الى تمديد جديد لمجلس النواب كان مرتقباً منذ اكثر من سنة وحتى قبل ظهور تنظيم الدولة الاسلامية وتوسعه في المنطقة بالنسبة الى هذه المصادر بحيث ان مسار التطورات السياسية لا يبدو غربياً او مستغربا او مفاجئاً بالنسبة اليهم كما للمسؤولين اللبنانيين على رغم اظهار هؤلاء مخاض اعدادهم المتواصل ان للانتخابات الرئاسية او لاخراج التمديد للمجلس النيابي. فهذا يدخل في عدة الشغل السياسية الداخلية وفي حسابات الافرقاء والتنافس السياسي ما لا يجعل من التمديد المرتقب لمجلس النواب موضوعا اشكاليا بمقدار ما هو موضوع اجرائي ليس الا. اذ ان واقع الامر ان النأي بلبنان الى حد نسبي عن الصراع السني الشيعي المحتدم في المنطقة، وان لم يكن ما يجري فيه بعيدا من هذا الصراع او ليس تحت وطأته، يظل الهاجس الاساس الذي تزايد على نحو تصاعدي خصوصا بعد مجموعة تطورات. من أبرز هذه التطورات الاخيرة داخليا ما يتصل بما يجري في البقاع ويهدد بالانتقال الى مناطق أخرى مع انتقال مواجهة “حزب الله” مع المتطرفين السوريين الى داخل الحدود اللبنانية، كما مواجهة الجيش اللبناني مع هؤلاء المتحصنين في جرود عرسال، ما يجعل البلد على شفير استقرار هش لا يسمح في أي حال بعملية سياسية واسعة تتمثل في اجراء انتخابات راهنا. كما من بين هذه التطورات تلك التي حصلت في اليمن حيث تقدم الحوثيون، التي قالت ايران انها تدعمهم وحققت انتصاراً عبرهم، نحو السيطرة على المدن اليمنية بما يعنيه ذلك من انتقال تفجرالمعركة بين السنّة والشيعة والدول المؤثرة في هذا الجانب او ذاك الى ساحة اضافية هي الساحة اليمنية بعد ساحتي العراق وسوريا في شكل اساسي ودول اخرى كلبنان والبحرين في شكل أقل.
لا تقدم عملية التمديد لمجلس النواب ضمانات بأن الأمور في لبنان ليست معرضة للتغيير، تقول هذه المصادر. فثمة رقعة شطرنج يشكلها واقع المنطقة راهنا حيث يتم التجاذب لا بل المواجهة غير المباشرة عليها بين تراجع ايراني في العراق من خلال التغيير الحكومي الذي اعاد بعض الحقوق للسنّة والاكراد والالتفاف على ذلك بدعم الحوثييين في اليمن واضطرار الى الصمود بتكلفة صعبة في سوريا واستباق ايران مخاوف سادت قبل عام تماما لدى ابرام اتفاق جنيف المبدئي بين ايران والدول الخمس زائد واحد حول الملف النووي الايراني من تركها تسيطر في المنطقة مقابل انهاء هذا الملف.
لذلك يبدو التمديد لمجلس النواب في المعطيات الراهنة، بالنسبة الى هذه المصادر، اقوى تعبير ممكن عن المحافظة على التوازنات السياسية والطائفية القائمة وعدم وجود اي مسعى لخربطتها اقله من حيث المبدأ، ما لم يطرأ ما يعدل هذا الواقع او يدفع اليه قسراً، وهو ما يجعل التمديد غير مرفوض ولا مداناً ديبلوماسياً كما كان في اي وقت مضى اقله في زمن السلم، ومن بينه التمديد الاخير للمجلس الحالي في 2013.