وسط ارتفاع مؤشرات التمديد الثاني لقائد الجيش العماد جان قهوجي، يبقى رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، مصراً على موقفه بعدم التراجع عن رفضه التمديد لاعتبارات تتعلق بوضع المؤسسة العسكرية.
مع التمديد الأول لقائد الجيش العماد جان قهوجي، قال أحد المطلعين: الآن بدأت معركة التمديد الثاني. حينها ظن المعنيون أن هذا الكلام عبثي، في وقت كان فيه أركان أساسيون في لبنان يتحدثون عن مواعيد قريبة لانتخابات رئاسة الجمهورية، التي ستفتح الباب أمام تعيين قائد جديد للجيش. اليوم اقترب الاستحقاق الثاني في قيادة الجيش، ولا رئيس للجمهورية في الأمد المنظور. وأسهُم التمديد الثاني ترتفع، إن لم تكن قد صارت محسومة بحسب بعض المطلعين، لأسباب موضوعية تتعلق برغبة الأطراف الأساسيين في التمديد خشية الفراغ في مركز القيادة، وتعذر اتفاق القوى الأساسية على قائد جديد للجيش، خصوصاً أن الأسماء المعدودة المطروحة للتداول من العمداء، ولو كان العميد شامل روكز يتقدمها، لا تلاقي إجماعاً عليها.
وبحسب المعلومات، إن عدم تعيين قائد جيش جديد أو عدم السير بتأخير التسريح لقهوجي ورئيس الأركان اللواء وليد سلمان، سيؤدي إلى تسلم العميد الأقدم رتبة الإمرة العسكرية. والعميد الأقدم رتبة (لأن التمديد للواء محمد خير في شباط الفائت هو الأخير له) هو عماد القعقور الذي تنتهي خدمته في 19 أيلول، أي قبل قهوجي بثلاثة أيام، ويليه العميد حسن ياسين الذي يتقاعد في أول شباط عام 2016، أي إنه سيتسلم القيادة لأربعة أشهر فحسب، ويليه العميد مارون حتي الذي يتقاعد في آب عام 2016.
وسط هذا المشهد، يبقى رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون وحده، رافضاً فكرة التمديد، ومتشبثاً بحق الحكومة في تعيين خلف لقهوجي. علماً بأن الحكومة لا تستطيع اتخاذ قرار بالتمديد الذي هو من صلاحية وزير الدفاع سمير مقبل.
لا يمكن عون إلا أن يخوض معركة تعيين قائد جيش جديد، حتى لو بات يستشعر أن مقبل سيصدر قراره بتأخير تسريح قهوجي. لكن هذا الأمر لن يوقف عون عن التعبير عن مخاطر التمديد، وعن إرسال رسائل لحلفائه تتضمن مخاوفه. هذه العبارات هي الأكثر تعبيراً عن موقف عون الذي لا يخرج عن تمسكه التقليدي برفض التمديد لمجلس النواب ورفضه التمديد الأول لقهوجي. لكن لعون بحسب مقربين منه، ملاحظات كثيرة على أداء قهوجي ووضع الجيش الحالي ورؤيته للمستقبل، فضلاً عن تفضيله بطبيعة الحال وصول العميد شامل روكز إلى قيادة الجيش لاعتبارات تتعدى المصاهرة، تتعلق بالنظرة إلى المؤسسة العسكرية وأدائها.
لا تردّ هذه المصادر بطريقة تقليدية على السؤال الأكثر تداولاً في الأوساط المسيحية واللبنانية: كيف يريد عون أن يصبح رئيساً للجمهورية، وصهره قائد للجيش، وصهره الآخر وزير للخارجية، أي أن يعطى له أعلى مركزين مارونيين ووزارة سيادية. فرئاسة الجمهورية ليست في الجيب، وإن كانت لا تزال بنداً أول، لكن كلما امتد الشغور وتداخلت الأوضاع الإقليمية، تصبح رئاسة الجمهورية كلها في خطر. إضافة إلى الأهم هو أن «الجيش يحتاج إلى رؤية مختلفة، لا تؤمنها القيادة الحالية». تتعلق معركة عون، بسب عارفيه، بقراءة دقيقة لواقع المؤسسة العسكرية، وهو الذي لا يعتبر أنه والدها الروحي فحسب، وحرصه على عدم المس بنهج يحتاجه لبنان أكثر من أي وقت مضى.
كيف يمكن عون أن يربح معركة قيادة الجيش؟
يحتسب عون خطواته ويعيد رسم المشهد السياسي ويجوجل ردود الفعل التي حصل عليها حتى الآن، وهو بات واثقاً من أن أفرقاء سياسيين يقولون له عكس ما يضمرون، وأن البعض يريد ربح الوقت أكثر، لتحصيل مكاسب سياسية لفريقه السياسي، وهو ما بدأ يتبدى في مجلس الوزراء من خلال التعيينات الأخيرة.
لن يقدم عون، بحسب المقربين منه، على عمل منفرد عن حلفائه، ولا يريد القيام بخطوة ناقصة، لكنه مصر على معركته وتسجيل موقفه حتى اللحظة الأخيرة. وهو لا يشاطر القائلين رأيهم أن تعيين قائد الجيش ليس من صلاحية حكومة بديلة من رئيس الجمهورية ويرفض الانتقادات القائلة إن تعيين الأمين العام لمجلس الوزراء على أهميته لا يوازي تعيين قائد الجيش: «ماذا لو كان الأمر معكوساً، وكان يفترض تعيين بديل لحاكم مصرف لبنان، فهل سنمتنع عن التعيين ونترك البلد فريسة الانهيار المالي حتى نترك التعيين برسم رئيس الجمهورية الجديد؟».
عملياً، بات تكتل التغيير والإصلاح على شبه قناعة بأن التمديد سيمر، من خلال خطوة مقبل، بعد أن يعمد وزير الداخلية نهاد المشنوق إلى التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص (ما دام «المستقبل» يملك الوقت الكافي للإتيان لاحقاً بالعميد عماد عثمان مديراً عاماً).
لكن الأسابيع القليلة المقبلة ستفسح المجال لقول كلام آخر، وخطوات عملية يبحثها التكتل، أُولاها اعتكاف وزرائه، ومن ثم استقالتهم. هذا الأمر يبحث بروية لاختبار فاعليته، ولا سيما أن استقالة وزيري التيار وحدهما ستهز التكتل من دون أن توقعه، إذا لم يتضامن وزيرا المردة والطاشناق مع زميليهما.
لكنّ هناك اعتبارين آخرين يرصدهما العونيون، يتعلقان بموقف حزب الله.
حتى الآن لن يخوض الحزب معركة فاشلة لعدم التمديد لقهوجي، ولو أنه أبلغ عون بأنه يقف معه في خياراته. وهو على تواصل مستمر مع عون للبحث في هذا الملف. لكن حين يدرك الحزب أن تعيين قائد جيش جديد يمكن أن يحصد تأييد كامل الأفرقاء، سيخوضها إلى جانب عون. وهذا التوافق بات مشكوكاً في أمره.
الاعتبار الثاني يتعلق بوضع الحكومة التي قد يصبح تطييرها في لحظة سياسية مواتية حاجة ماسة، لاعتبارات مرتبطة بالتطورات الإقليمية، ولا سيما العلاقة المتفجرة بين الحزب والسعودية. فالحزب بعد اليمن، هو غير الحزب قبل اليمن. والهجوم السعودي غير المسبوق وردّ الحزب العنيف على السعودية، وتبادل الاتهامات بين الحزب و»المستقبل» على خلفية دوري طهران والرياض، يطرح السؤال عن الذي يضمن أن هذا التطور الحاد لن يترك انعكاساً على الحكومة، وأنه سيبقى محصوراً بالإطار الإعلامي. إذ من الواضح أن الطرفين يذهبان إلى الحد الأقصى في هجومهما المتبادل، وأن خروج السعودية للمرة الأولى عن الإطار التقليدي في الرد، (لم تحصل حتى في عز ارتدادات 7 أيار) قد يترك تأثيراً مباشراً، ليس على الحوار الجاري بين «المستقبل» والحزب فحسب، بل على الإطار الأساسي الذي يجمع بين الأفرقاء اللبنانيين كافة تحت سقف الحكومة. وهذا الأمر يحتاج إلى شرارة واحدة لإشعاله.
وعند اللحظة المواتية، قد يكون ذهاب الحكومة والانتقال إلى مرحلة جديدة من البحث في مسألة التركيبة الحالية للنظام، على طاولة البحث، وقد تكون معركة تعيين قائد الجيش هذه الشرارة.