حتى منتصف آب الماضي كان الرهان في الرابية على ان المشهد في الحكومة كان يمكن ان يكون مختلفاً تماماً. مع تمديد لقائد الجيش او من دونه، لم يكن الفارق ليكون كبيرا طالما ان التسوية التي انتظرها العونيون طويلا كانت ستأتي بـ «جنرالهم» الى قصر بعبدا.
راهن «التيار الوطني الحر» حتى اللحظة الاخيرة على تسوية عون ـ الحريري الذهبية، فيما الاتفاق عليها كان سيحتّم تمديداً تقنياً لقائد الجيش يبقيه بضعة أشهر في اليرزة الى ما بعد تشكيل الحكومة ومباشرتها نفضة التعيينات على رأسها قيادة الجيش ما سيصوّب التشوّهات التي لحقت، برأيهم، بالمؤسسة العسكرية.
والأهمّ، بعد المواجهة التي خاضها عون عبر العميد شامل روكز، التي لم توصل الى مكان وانتهت بتقاعده «برتبة مواطن»، فإن رئيس «التكتل» يحمل اسما مفضّلا لديه لقيادة الجيش وينتظر فقط الوقت المناسب لطرحه ودفع القوى السياسية الى تأمين التوافق السياسي عليه.
انتهت مفاوضات الجولة الثانية بين الرابية و«المستقبل» على قاعدة غياب الحريري عن السمع. «الشيخ» لا يزال يدير أذنه الطرشاء، لكن العونيين قرّروا أن يُسمِعوا الجميع قرع طبول معركتهم الاخيرة من عين التينة الى السرايا وصولا الى بعبدا. هؤلاء يعترفون «الحريري بَلَفَنا»!
وفي حضرة الميثاق والنظام والتركيبة والصيغة، يصبح الحديث عن تعيين قائد جيش مجرّد تفصيل. هذا ما كرّره وزراء ونواب «التيار» في اليومين الماضيين.
لكن هذا «التفصيل» سيقدّر له أن يكون ربما «اللغم» الذي سيفجّر حكومة العجز من الداخل. بتأكيد متابعي «الحراك» العوني «حتى مع تعيين قائد جيش لن تستقيم الأمور. الأزمة صارت أكبر بكثير والدليل التصعيد المنظّم الذي سيذهب الى أبعد من لغة الشارع، فكيف إذا استرسل «أهل النظام» بالتنكيل به عبر التمديد للمرة الثالثة لقائد الجيش».
يغادر الرئيس سلام مع الوفد المرافق بيروت الى نيويورك يوم الجمعة 16 أيلول الجاري على ان تكون العودة يوم السبت في 24 منه. إذاً جلسة وزارية واحدة يفترض أن تسبق نهاية ولاية العماد جان قهوجي ورئيس الاركان اللواء وليد سلمان في 30 ايلول (بعدما حسمت مسألة عدم عقد جلسة يوم الخميس المقبل).
وفق المعلومات، لن يترك وزير الدفاع سمير مقبل وضع قيادة الجيش معلّقا الى ما بعد عودة الرئيس سلام من رحلته الخارجية في ظل قناعة سياسية بأن التمديد لا مفرّ منه. وقد كان مقبل يستعد لطرح أسماء ضباط لقيادة الجيش قبل ان «تنسف» مقاطعة حوار عين التينة جلسة الثامن من شباط.
وعليه، سيسلك التمديد لقهوجي حتى نهاية أيلول 2017 مساره العملي خارج جدران السرايا، مع العلم أنه لا يزال بوسعه الاستفادة من سنة واحدة أخرى في هذا الموقع يكمّل بها الحد الاقصى للخدمة وهو 44 عاماً.
لكن «الفوضى» الحكومية التي تعطي مشروعية أكبر للتمديد لقائد الجيش بسبب تعذّر التعيين وتجعله أكثر واقعية من «مسرحية» طرح الاسماء التزاما بالشكل فقط، هي تلعب الدور المعاكس بالنسبة لأزمة رئاسة الأركان حيث أن اللواء سلمان فَقد حق تأجيل تسريحه بعد استنفاد سنوات خدمته البالغة 43 عاما، كما لا يجوز وفق القانون استدعائه من الاحتياط وهو الواقع نفسه الذي ينطبق على قائد الجيش.
وبالتأكيد يمكن القول ان أزمة الحكم والحكومة القائمة اليوم تنعكس في أحد أوجهها ليس فقط في موقع قيادة الجيش، حيث قرار التمديد جاهز للتوقيع فقط بشحطة قلم من وزير الدفاع، بل في الموقع الدرزي الاول في الهرمية العسكرية.
ففي ظل الاجواء السياسية المشحونة وضغط «التيار» باتجاه عدم توقيع أي قرار ومرسوم بغياب المكوّنات المسيحية الوازنة يبدو تعيين رئيس أركان غير وارد حتى الان، وحتى في حال التئام الحكومة فإن وزراء «التكتل» لن يوقّعوا على المرسوم.
أما الاحتمالات فهي التالية: الشغور وهو الامر الذي يحذّر منه وليد جنبلاط ولا يقبله، مع العلم ان رئيس الأركان ينوب عن قائد الجيش في كل صلاحياته لدى غيابه لأي سبب كان او انقطاعه عن العمل.
الاحتمال الثاني ايجاد فتوى تبقي رئيس الأركان في موقعه وهو الأمر الذي لم يتوافر حتى الساعة، كما تستبعده أوساط متابعة.
والاحتمال الثالث توقيع قائد الجيش مذكّرة إدارية تقضي بتعيين ضابط كبير من نواب رئيس الاركان مسيّراً لشؤون الاركان الى حين تعيين الاصيل، وستكون في هذه الحال سابقة لم يعرفها الجيش بحيث اعتمد إجراء تسيير الاعمال على مستوى المجلس العسكري وليس رئاسة الاركان.
إضافة الى ذلك، فإن القانون لا يعطي نواب رئيس الاركان الحق بالانابة عن كامل صلاحيات رئيس الاركان بل توكل اليهم مهام إدارية معينة وباختصاصات محدّدة، واستطرادا فإن ايا منهم لا يمكن ان يتولى مهام قائد الجيش بالوكالة في حال غياب الاخير.
وهنا تشير معلومات الى أنه حتى الجلسة الوزارية الفاصلة عن 30 ايلول فإن ورقة الاستحقاقات المالية وفتح الاعتمادات قد تشكل عاملا ضاغطا لعودة جلسات مجلس الوزراء ما قد سيتيح تمرير مرسوم تعيين رئيس الاركان.