على مرأى من جميع اللبنانيين ومسمعهم، سيخطف النواب غداً حق هؤلاء اللبنانيين في اختيار ممثليهم. إلا أن حق اللبنانيين هذا ليس نجل ابراهيم صقر، ولا هو بأهمية المياومين أو سلسلة الرتب والرواتب، لتقطع من أجله الطرقات وتعمّ التظاهرات
يتحمّل تيار المستقبل وحزب الله وحركة أمل والمردة والكتائب ومن سيوفّرون النصاب في المجلس النيابي غداً للتمديد لأنفسهم مسؤولية مخالفة الدستور. إلا أن المسؤولية الأكبر يتحمّلها الناخبون الذين يوصفون، في بعض الدول، بـ«الشعب» وبـ«مصدر السلطات في الدستور»، فيما هم، هنا، أرقام في صناديق الطوائف. يغضبهم إقصاء الرئيس سعد الحريري عن رئاسة الحكومة ولا يغضبهم إقصاؤهم عن العملية الانتخابية. يتضامنون مع حقوق المياومين والأساتذة، ولا تعنيهم حقوقهم. خطف نجل رجل الأعمال الزحلاوي ابراهيم صقر يؤدي إلى صخب إعلامي وسياسي ومزايدات شعبية، أما خطف حق ملايين اللبنانيين في انتخاب ممثليهم كل أربع سنوات فيمرّ من دون ردة فعل شعبية.
الحراك المدنيّ لمعارضة التمديد حاول، عبثاً، هذه المرة تنويع وسائل استقطابه للناشطين، مبتدعاً وسائل جديدة لمعارضة التمديد. إلا أن حجم هذا الحراك بقي أصغر بكثير من التظاهرات المطالبة بإسقاط النظام الطائفي أو إقرار سلسلة الرتب والرواتب. وبدا واضحاً هذه المرة أن الخمول تجاوز الرأي العام عموماً ليطاول النخب والأحزاب المعارضة للتمديد والسياسيين التقدميين وجمعيات المجتمع المدني. ولا يقف اليأس من تغيير الأوضاع السياسية هنا، بل يتسع ليشمل أهل الأحزاب أيضاً: بالنسبة الى تيار المستقبل وحزب الله وحركة أمل، لا معنى لتحمل تبعات الانتخابات النيابية، مالياً وبشرياً، طالما سينجم عنها المجلس النيابي نفسه بحكم التوازنات القائمة في ظل قانون الانتخابات نفسه. فالقوى السياسية تسلّم بعجزها عن استقطاب ناخبين من المعسكر الآخر لتعديل موازين القوى. وهذا يؤدي إلى المغالاة في الخطاب الموجّه الى فئة واحدة، إلى جانب لامبالاة سياسية وتشريعية وإنمائية بمن هم في المقلب الآخر. فكل ما هو مطلوب من القوى السياسية هو شد عصب جمهورها وإبقاؤه متكتلاً حولها.
إلى ما قبل عامين، كانت قوى 14 آذار لا تزال تدعم ــ بكل ما أوتيت من مال وإعلام ــ الخارجين عن طاعة الثنائية الشيعية في الهرمل، كما في الضاحية وصور، أملاً بإثبات تمثيلها ولو لعشرة في المئة من المقترعين الشيعة. فيما واصلت قوى 8 آذار وضع قدراتها بتصرف النائبين السابقين أسامة سعد ووجيه البعريني في صيدا وعكار، رغم الفارق الشاسع في الأصوات بينهما وبين نواب المستقبل، إيماناً منها بأن الخرق وارد. وفي انتخابات المنية الفرعية عام 2010، أثبتت قوى 8 آذار قدرتها على اجتراح الأعاجيب عبر حصول مرشحها كمال الخير على أكثر من 14 ألف صوت، مقابل نحو عشرين ألفاً فقط لمرشح المستقبل كاظم الخير. وبدل وضع انتخابات 2010 البلدية في سياق إنمائي، عمدت القوى السياسية إلى تسييسها لتلحق قوى 8 آذار هزائم كبيرة بتيار المستقبل في بعض معاقله، مقابل إلحاق 14 آذار هزيمة بالعونيين في جبيل ومعظم بلدات المتن وكسروان. أما اليوم فتختلف الأمور. يكاد لا يجد مرشحو حزب الله وحركة أمل أحداً يترشح ضدهم في كل من صور والنبطية والزهراني وبنت جبيل، فيما بإمكان المستقبل تشكيل ثلاث لوائح، أو أكثر، في كل من عكار والمنية ودائرة بيروت الثالثة. وها هو أحد نواب المستقبل يتنقل برشاقة بين الدوائر: لنا عكار (7 نواب) والمنية – الضنية (3 نواب) وصيدا (نائبان) وبيروت الثالثة (10 نواب) والأولى (خمسة نواب) وبشري (نائبان) وزحلة (7 نواب). ولهم: حاصبيا – مرجعيون (5 نواب) صور (4) والنبطية (3) والزهراني (3) وبنت جبيل (3) وبعلبك – الهرمل (10) وجزين (3) وبعبدا (6) وجبيل (3).
وإذا حافظ الرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي على مقعديهما في طرابلس، يتابع النائب المستقبلي، «سنضيف إلى حصتنا الخماسية مقعد النائب أحمد كرامي أيضاً. نربح مقعداً سنياً في طرابلس ونخسر مقعداً شيعياً في البقاع الغربي إذا اضطر النائب وليد جنبلاط إلى التصويت لثلاثة من لائحتنا إلى جانب مرشحه الوزير وائل أبوفاعور ومرشّح ارثوذكسي يختاره البيك، وواحد من لائحتهم (مرشح حركة أمل وحزب الله)، لتقتصر المعارك الانتخابية على احتمال خرق قوى 14 آذار لائحة العماد ميشال عون في كسروان (5 مقاعد) بمقعد واحد، أو خرق لائحة عون في المتن الشمالي (8 مقاعد) بمرشح ثالث يحتفل مع النائبين ميشال المر وسامي الجميل بالفوز، أو خرق لائحة النائب سليمان فرنجية في زغرتا (3 مقاعد) بمرشح، مقابل تطلع التيار الوطني الحر إلى خرق لوائح 14 آذار بمقعد في الأشرفية (5 مقاعد) وآخر في البترون (مقعدان) وربما ثالث في الكورة (3 مقاعد)، مع العلم بأن احتمالات الخرق من الجهتين في كل هذه الدوائر ضعيف جداً.
أسوأ ما في التمديد الحالي أنه يمدّد، عملياً، للأزمة القائمة، معلناً تعليق الفرقاء لكل ما تستوجبه الانتخابات من سعي من قبل المرشحين الى إقناع الناخبين بوجوب الاقتراع لهم ومحاولة استقطاب بعض الناخبين من المقلب الآخر وتوفير استقرار أمني يسهّل إجراء الانتخابات. هذا كله لن يحصل، بات لكل فريق دوائره المقفلة. والتمديد للمجلس النيابي الحالي ليس سوى تمديد للحالة العاجزة عن انتخاب رئيس للجمهورية وعن إقرار سلسلة الرتب والرواتب والموازنة وعن رفع الحصانة عن النائب خالد ضاهر، كما عن تحقيق أي إنجاز تشريعي.