Site icon IMLebanon

التمديد النيابي شرّ لا بدّ منه

نتابع باستغراب وريبة إقدام بعض السياسيين اللبنانيين ولا سيما المسيحيين منهم ، تصريحاً او تلميحاً، على فتح صفحة الإنتخابات النيابية والترويج لإجرائها والدعوة للإستعداد والتحضير لها. ان يكون هذا البعض متجاهلاً عن قصد او غير قصد واقع ان هناك فراغاً رئاسياً متمادياً وان ليس هناك اي مؤشرات تدل الى امكانية انتخاب رئيس للجمهورية في المدى المنظور وغير المنظور، ومتجاهلاً ايضاً واقع ان ليس هناك من اتفاق على قانون جديد تجري الإنتخابات على اساسه وان كل الحركة السياسية والنيابية التي دارت حول قانون الإنتخابات لم تصل الى نتيجة ولم تأتِ بجديد، وبقية تدور في الفراغ وفي الحلقة المفرغة.

وكذلك من المؤسف ان هناك من يحاول تبسيط الأمر وإضفاء واقعية سياسية على ضرورة اجراء الانتخابات النيابية من خلال القول ان هذه الإنتخابات لا يمكن ان تنتظر انتخاب رئيس جمهورية جديد كون هذا الانتخاب يمكن ان يظل متعذراً لأشهر وسنوات اخرى طالما ان الملف اللبناني مرتبط بملفات وازمات المنطقة والتي كما يبدو انها طويلة، او من خلال التذرّع بان إجراء انتخابات بلدية ناجحة يعني امكانية اجراء انتخابات نيابية وانها لن تكون اصعب وادق متناسين ان الانتخابات النيابية في ظل غياب رئيس للجمهورية تضع البلاد في الفراغ القاتل.

لذلك على القوى السياسية المسيحية تحديدآ ان تعرف انه لا تصح المقارنة بين الإنتخابات البلدية والإنتخابات النيابية، فإذا صحّ ان كليهما يتطلبان استقراراً امنياً فالصحيح ايضاً انهما يختلفان في الأبعاد الدستورية والسياسية، لأن الإنتخابات البلدية هي انتخابات محلية يطغى عليها الطابع الإنمائي والإجتماعي في حين ان الإنتخابات النيابية هي انتخابات وطنية وسياسية بإمتياز لها التأثير الحاسم على التوازنات في البلد وعلى معادلة الحكم وهي التي تعيد تكوين السلطة وتحدد من سيحكم لبنان للسنوات المقبلة، اضافة الى انها الحجر الأساس في تغيير الطبقة السياسية واصلاح ادارات الدولة ومسارها.

من هنا اخشى ان تكون الدعوة الى اجراء الإنتخابات النيابية والتسويق لها دعوة غير بريئة وانما دعوة مشبوهة في خلفياتها واهدافها. فأن يبدي البعض حماسة للإنتخابات النيابية بحجج مختلفة، فإن ذلك لا ينمّ عن نزعة ديموقراطية وعن توجه لإنقاذ النظام الديموقراطي البرلماني بقدر ما يعكس توجهاً الى ضرب ما تبقى من اسس النظام القائم وتدمير خطوط الدفاع الأخيرة عنه.

هذه الحماسة الزائدة التي تقول بضرورة اجراء الإنتخابات النيابية في ظل عدم وجود رئيس للجمهورية نحن لا نجاري اصحابها ولا نأخذ بالحجج المُساقة التي هي بمثابة «حق يُراد به باطل».

نقولها بصوت عال نحن ضد اجراء انتخابات نيابية في ظل الظروف القائمة، وموقفنا ليس اعتباطياً ولا انفعالياً وانما يستند الى المبررات والأسباب التالية:

1- من غير المقبول ولا الجائز إتمام كل الإستحقاقات ما عدا استحقاق رئاسة الجمهورية وانجاز كل الملفات ما عدا الملف الرئاسي، وتكريس الإنطباع والواقع اللذين يفيدان ان البلد ماشي مع او من دون رئيس للجمهورية ولا فرق بين وجوده وعدم وجوده وان الوضع طبيعي على كل المستويات حتى في ظل فراغ رئاسي ولو استمر هذا الفراغ سنوات.

انتخاب الرئيس اولاً يجب ان يكون عنوان المرحلة وكل مرحلة حتى تحقيق هذا الأمر. فإذا لم يحصل هذا الإنتخاب لا يمكن ولا يجب القفز فوقه او وضعه جانباً والإنتقال الى انتخابات نيابية كما لو ان شيئاً لم يكن. لا استحقاق يتقدم على الإستحقاق الرئاسي ولا صوت يعلو على «صوت انتخاب رئيس مسيحي للبلاد».

2- اي انتخابات نيابية يجب ان تجري بعد انتخاب رئيس وعلى اساس قانون جديد يحقق التمثيل الشعبي الصحيح ويعيد التوازن الوطني بشقيه السياسي والطائفي، ويضع حدّاً للشكوى المسيحية المزمنة من الإجحاف والغبن والتهميش.

اما القول بإجراء انتخابات على اساس القانون القائم اي قانون الستّين، وانه لا يجب ان تكون مسألة القانون عائقاً امام اجراء الإنتخابات، فهذا قول مردود لأصحابه لأن لا ضرورة ولا حاجة للإنتخابات في هذه الحال وستكون الإنتخابات على اساس الستّين بمثابة «تمديد مقنّع ومموّه» للمجلس الحالي، لأن هذا القانون سيعيد انتاج الطبقة السياسية ذاتها مع تعديلات طفيفة في الوجوه والأسماء ومن دون المسّ بالتركيبة والمعادلة السياسية وميزان القوى السياسي الحالي.

بينما المطلوب ان تكون الإنتخابات مدخلاً الى حل الأزمة واعادة تركيز الوضع على اسس ثابتة ومستقرة ، والى التغيير المنشود في الذهنيات والممارسات وفي الأداء السياسي والإداري.

3- وهذا الاهم والاخطر … اجراء انتخابات نيابية في ظل الفراغ الرئاسي بنطوي على خطورة وسيكون الأمر بمثابة قفزة في المجهول وتعريض البلد لخطر الفراغ الشامل. فعند انتخاب برلمان جديد تصبح الحكومة في حكم المستقيلة ويتعذّر تشكيل حكومة جديدة في ظل عدم وجود رئيس للجمهورية تعود اليه حصراً صلاحية قبول الإستقالة وتوقيع مراسيم التكليف والتأليف. واذ ذاك تكون السلطة التنفيذية وقعت في فراغ كامل حيث لا رئيس للجمهورية ولا حكومة، وتكون البلاد وقعت في المحظور لتسير بخطى سريعة نحو الأزمة الوطنية الشاملة.

وإذا كانت الأزمة التي نعيشها اليوم ازمة رئاسية فإنها ستتحول في حال حصول انتخابات نيابية في ظل شغور رئاسة الجمهورية الى ازمة حكم والى ازمة نظام. ولن تكون قابلة للحل عن طريق «تسوية مرحلية ومحلية» و«اتفاق دوحة ثانٍ» وانما ستتطلب تسوية تأسيسية واتفاق «طائف ثانٍ».

لكل هذه الأسباب وغيرها مما لا يتسّع الوقت لذكره هنا، وطالما ان لا انتخابات رئاسية حتى إشعار آخر، وطالما ان لا اتفاق على قانون انتخابات جديد لا يبقى الا حل ومخرج واقعي وحيد هو التمديد للمجلس النيابي الى حين اتضاح الصورة الإقليمية الدولية والى حين الإفراج عن الرئاسة اللبنانية التي هي رهن حسابات ومصالح وقرارات خارجية تتجاوز اللاعبين المحليين وقدراتهم.

من هنا اخشى ما اخشاه ان يكون هناك من يجر البلاد الى انتخابات نيابية من اجل الدخول في ازمة حكم ونظام  وطرح كل الاحتمالات والسيناريوهات واولها مؤتمر تأسيسي طالما تحدثنا عنه.

 في الختام نقول بكل صدق وصراحة : من المؤكد اننا نفضل اجراء انتخابات ونرفض مبدأ التمديد الذي يتعارض مع نظامنا وقيمنا الديمقراطية لكن الخيارات في هذه المرحلة هي بين السيىء والأسوأ.

التمديد خيار سيىء ولكن الأسوأ هو الوقوع في الفوضى والمجهول والفراغ ونسف الإستقرار. الخيار هو بين اهون الشرّين لذلك فان التمديد النيابي شرّ لا بدّ منه.