أمام الديبلوماسية اللبنانية في الأيام القليلة المقبلة استحقاقان يتنافسان في خطورتهِما. ففي الوقت الذي سيشارك لبنان في اجتماع وزراء خارجية «الخماسية العربية» المخصّص لملف النازحين السوريين بتعقيداته، المقرّر غداً في القاهرة، يستعد لخوض الاستحقاق الثاني في الأسبوع الأخير من هذا الشهر من أجل التمديد لقوات «اليونيفيل»، في ظروف قد تكون أصعب من الأولى إن لم تتساوَ. وعليه ما هي المؤشرات الدالة إلى هذه المعادلة بوجهيها؟
إلى جانب الاهتمامات الداخلية بمجموعة الاستحقاقات الحكومية والنيابية التي تشغل السلطتين التنفيذية والتشريعية وتخرجهما من حال الشلل التي أصابتهما بعطب أساسي جعلت عملهما يسير حسب القطعة، تتجّه الانظار قريباً الى مواجهات ديبلوماسية. فحكومة تصريف الاعمال تعاني من مقاطعة جعلت من اجتماعاتها رهناً بغياب او حضور أحد الوزراء الذي في استطاعته أن يوفّر النصاب القانوني أو يحجبه. تزامناً مع النقاش الدستوري المستمر حول حق المجلس النيابي في التشريع، في ظلّ استمرار خلو سدّة الرئاسة من شاغلها، وهو ما يُلزم رئيسه بخوض المفاوضات مع كل جلسة لتوفير النصاب القانوني بالنصف زائداً واحداً من عدد أعضائه قانوناً.
وعلى وقع هذه المعادلة البسيطة القائمة منذ 9 أشهر تقريباً، تتجّه الأنظار إلى مجموعة من الاستحقاقات الخارجية، ولا سيما منها الديبلوماسية، ربطاً بملفين خطيرين يواجههما لبنان، يتصل الأول منهما بملف إعادة النازحين السوريين الى بلادهم المطروح حالياً على طاولة جامعة الدول العربية في القاهرة، قبل المواجهة المتوقّعة على مسرح الأمم المتحدة في نيويورك، استعداداً لقرار التمديد للقوات الدولية المعززة («اليونيفيل») في 31 آب الجاري، بالصيغة التي تُقلق المسؤولين اللبنانيين بما لم تشهده القرارات السابقة التي اتُخذت على مدى 16 عاماً.
في هذه الأجواء توجّه وزير الخارجية عبدالله بوحبيب بعد ظهر امس إلى القاهرة لتمثيل لبنان في الاجتماع الأول للجنة الوزارية الخماسية على مستوى وزراء الخارجية المقرّر في مقر الجامعة العربية غداً الاربعاء، الى جانب وزراء الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود، المصري سامح شكري، الاردني ايمن الصفدي والعراقي فؤاد حسين، وعلى جدول أعمالها مجموعة من البنود التي يمكن إدراجها تحت عنوان واحد، وهو يترجم مهمّتها الأساسية المتعلقة بإعادة النازحين السوريين على الاقل من دول الجوار إلى بلادهم، وتأمين الظروف الكفيلة بعودة «طوعية وآمنة»، بعدما أعادت قمّة الرياض النظام السوري إلى ما سُمّي بـ «الحضن العربي».
وعشية هذا الاجتماع قالت مصادر ديبلوماسية، انّ التحضيرات الأولية للقاء الذي سيجمع الوزراء الخمسة بعد تأكيد حضورهم غداً، أُلقيت على عاتق مندوبي الدول الخمس الدائمين في الجامعة العربية الذين سيجتمعون اليوم، للبحث في سلسلة مشاريع توصيات تفتقر إلى كثير من عناصر القوة التي يمكن ان تؤدي الى قرارات فاعلة قابلة للتنفيذ، لطالما تمّ تمنين النفس بها، وخصوصاً عندما أقرّت «قمة الرياض» في 19 أيار الماضي ضم كل من لبنان والمملكة العربية السعودية اليها بعد عامين تقريباً على تشكيلها بـ «الصيغة الثلاثية» السابقة التي كانت جمعت الاردن والعراق ومصر، بناءً لاقتراح اردني وسعي دؤوب قام به الملك الاردني عبدالله الثاني ووزير خارجيته أيمن الصفدي، على هامش أعمال اللقاءات التي استضافتها بغداد، وجمعت فرنسا ودول الجوار العراقي ومصر. وكان ذلك قبل أن تنال اللجنة التغطية العربية الشاملة في القمة العربية الدورية السنوية في الرياض.
وعشية هذا الاجتماع قالت مصادر ديبلوماسية تواكب التحضيرات التي سبقت لقاء الغد، إنّ اقتراحات سابقة لجمع الأعضاء قد سقطت وبقيت مجرد أفكار طرحها الاردن اكثر من مرة، وأحياها تدخّل لبنان بحثاً عمّا يمكن القيام به بعدما تفاعلت ردّات الفعل الخطيرة على الساحتين اللبنانية والاردنية تحديداً، قياسا على حجم نتائج النزوح السوري عليهما في ظلّ القدرات المحدودة المتوافرة لديهما، علماً انّ ما لدى الأردن قدرات فاقت ما لدى لبنان، عدا عن الطريقة المنظّمة التي اعتمدتها المملكة الاردنية منذ اللحظة الاولى للنزوح السوري في اتجاه اراضيها.
ففي الاردن وضع مختلف عمّا يعاني منه لبنان، ففيه قرار ملكي وحكومي واحد وموحّد، لم يتعرّض للتجاذبات التي اتخذها النزوح السوري على الساحة اللبنانية. وعدا عن ذلك فإنّ السلطة الاردنية تلقى تفهمّاً وتعاوناً اقليمياً ودولياً لم يعرفه لبنان الرسمي، بعد فقدان الثقة الدولية بالحكومة اللبنانية ومؤسساتها، والتي أبقت المساعدات الدولية والأممية محصورة بالجيش اللبناني والصليب الاحمر فقط، كما بالنسبة إلى الهيئات المدنية والمجتمع الاهلي والمؤسسات التي انشأتها الدول الواهبة بمبادرة منها، كما فعلت معظم دول الخليج العربي.
وبعيداً من هذه المعطيات والظروف الشكلية التي لا نقاش فيها ومن حولها، فقد عبّرت المراجع الديبلوماسية المعنية عن قلقها من حجم النتائج المقدّرة للقاء اللجنة الخماسية غداً. فالظروف التي أمل بها أعضاء اللجنة عند تشكيلها وخصوصاً لولبها وزير الخارجية الأردني لم تنبئ بإمكان أن تحقّق اي خطوة ايجابية بعد. فالمبادرة السعودية تجاه سوريا، وما اتكأت عليه اللجنة عند إطلاقها في القمّة الاخيرة، راهنت على الخطوات التي أُعلن عنها لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية ومؤسساتها على قاعدة «الخطوة مقابل خطوة» قبل فرملتها سعودياً وعربياً.
وعليه، فإنّ الخطوات المقرّرة بقيت من طرف واحد، ولم تتمكن الحكومة السورية من التجاوب معها ولم تحقق اي خطوة وخصوصاً على مستوى تهريب المخدرات. لا بل فإنّ الديبلوماسية الاردنية كشفت عن استغناء شبكات التهريب عن الحدود البرية السورية – الاردنية لتستخدم «طائرات الدرون» في أعمال التهريب بكميات كبيرة، وقد تمّ رصد كثير منها بعد دخولها الأجواء الاردنية، فأُسقط عدد منها وكانت آخرها قبل ايام. عدا عن استمرار استخدام شبكات التهريب للمرافق اللبنانية الجوية والبحرية بعد استخدام البرية من سوريا في اتجاه لبنان.
وإلى هذه المعطيات الميدانية، فقد انتهت بعض المعلومات المتداولة حول موقف النظام السوري وخصوصاً بين أعضاء اللجنة، على هامش اللقاءات التي واصلها الصفدي الذي جال في أكثر من عاصمة بعيداً من الاضواء. فتصريحات الرئيس السوري بشار الاسد الأخيرة تلاقت في نتائجها مع المواقف الدولية التي ربطت أي خطوة بالنسبة الى إعادة النازحين بمدى تقدّم الحل السياسي في بلاده وإعادة بناء ما تهدّم. وهو ما عبّر عنه أحد الديبلوماسيين المعنيين الذي راح بعيداً ليرى انّه لم يرصد اي فوارق بين مواقف المسؤولين السوريين والقرار الصادر عن البرلمان الاوروبي قبل اسابيع قليلة، والذي يتماهى ومجموعة النظريات التي أسقطت مشاريع اللجنة الوزارية اللبنانية، وجعلت مواقف وزير الدولة لشؤون المهجرين عصام شرف الدين وادّعائه بإعادة عشرات الآلاف منهم في فترة قصيرة ضرباً من الخيال، لوقوعها في غير زمانها ومكانها، ولبعدها عن الواقع وغرقها في بحر من الأوهام.
وعليه، فقد انتهت المراجع الديبلوماسية إلى القول إنّ لقاء القاهرة سيمرّ بلا اي نتائج ايجابية، لتنتقل الأنظار الى محطة نيويورك، لتتساوى المخاطر المحدقة بملف النازحين السوريين والتمديد للقوات الدولية وتداعياتها.