كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن آلية التمديد لقائد الجيش. منهم مَن جزم أنّ التمديد لا يحصل إلاّ بقرار يصدر عن وزير الدفاع، عملاً بأحكام المادة/ 55/ من قانون الدفاع 102 /1983. ومنهم مَن اعتبر أنّ مجلس الوزراء هو البوابة الإجبارية. ومنهم مَن لجأ إلى مجلس النواب لإستصدار قانون يُمدّد فيه للعماد جوزف عون.
من الثابت أنّ مَنح وزير الدفاع صلاحية التمديد لقائد الجيش لا يستقيم. رغم حصول سابقة عام/2013/ وأُخرى عام/2015/. لأنّ مَنح هذه الصلاحية إلى وزير الدفاع، من شأنه أن يُقيّد صلاحيات السلطة التنفيذية بالتعيين (المنصوص عنها في المادة/65/ من الدستور) وبالتالي، لا يجوز تعطيل دَور الحكومة بالتعيين عن طريق مَنح وزير في الحكومة صلاحية تأجيل تسريح قائد الجيش بقرار آحادي، رغم ممانعة الحكومة مثلاً.
إضافةً إلى ذلك، وطالما المادة/55/ من قانون الدفاع قد فرضت إقتران القرار الوزاري بإقتراح قائد الجيش. فذلك يؤكّد أنّ المشترع إستبعد كُلّياً قائد الجيش من نطاق شمولها. لثبوت ضرورة إنتفاء أي مصلحة ذاتية للمقترح من أي نوع ولأي جهة.
فضلاً، عن عدم توافر شروط الحرب والطوارئ وتكليف الجيش مهام المحافظة على الأمن…كذا… حتى يُجاز الإستناد إلى نص المادة/55/ والمومأ إليها أعلاه.
وفي كلّ الأحوال، هل سيُصدر وزير الدفاع قراراً بتأجيل التسريح للعماد جوزف عون، في ظلّ هذا الكِباش المُستحكم بين الفريقين؟
أمّا لجهة تأجيل التسريح أم التمديد أم التعيين من قِبل مجلس الوزراء.
من الثابت أنّ مجلس الوزراء هو سلطة التعيين لأي قائد جيش أم رئيس جهاز أمني. لكن بناءً على اقتراح وزير الدفاع حصرًا، لأنّ إقتراحه يُعتبر شرطاً جوهرياً للقرار. وإلاّ يُصبح هذا القرار عُرضةً للطعن أمام مجلس شورى الدولة.
إضافةَ إلى أنّ التعيين لا سيما لموظّفي الفئة الأولى أو ما يوازيها، يخرج عن سياق مهام تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق، رغم التوّسع المفترض لمروحة هذه المهام، مع تمدُّد مرحلة الشغور وضرورة تسيير شؤون البلاد والعباد. ضِف إلى كون هذا التعيين يأتي بعد إنتخاب رئيس للدولة، كون قيادة الجيش تُعتبر من أدوات عمل رئيس الجمهورية وغيرها من المواقع… مما يجعل هذا التعيين مُتعذّرًا وغير مُستحبّاً.
أمّا لجهة التمديد لقائد الجيش الحالي بقرار حكومي، بحجّة أنّ التمديد يُساوي التعيين، ومَن بإستطاعته التعيين بإستطاعته التمديد، (Qui peut le plus peut le moin) لا يستقيم أيضاً.
يجب الإشارة أوّلاً، أنّه يقتضي وفيما لو ثبُتَ، أنّ المَخرَج الوحيد للتمديد هو بوّابة الحكومة…كذا… فليس بالإمكان عبور هذه البوابة إلاّ بناءً على إقتراح وزير الدفاع…كذا… تحت طائلة الطعن.
لكن الأهّم، صحيح أنّ الحكومة تملك صلاحية التعيين كما سبق البيان (الفقرة الخامسة من المادة/65/ من الدستور)، لكن أي تعيين يجب أن يأتي من ضمن شروط قانون الدفاع، بمعنى آخر يجب أن يقترن التعيين بتوافر شروط الوظيفة (لناحية السِنّ والرتبة و…) أما التمديد وبحال حصل من قِبل الحكومة، سيأتي لمصلحة مُستفيد فَقَدَ شروط الوظيفة للتعيين، تجاوز السِنّ وبات مُتقاعدًا حُكماً، بمُقتضى أحكام المادة /56/ من قانون الدفاع الوطني. فكيف يكون التمديد موازياً للتعيين؟؟؟
مع التأكيد، أنّ التمديد عندها سيكون مُخالفاً لقانون الدفاع، بشكلٍ ثابت وأكيد.
مما يُفيد، أنّ تأجيل التسريح أو التمديد لقائد الجيش من قِبل الحكومة لا يستقيم، وسيكون مُعرّضاً للطعن أمام مجلس شورى الدولة أيضاً.
كلّ ذلك لنؤكّد، أنّ البرلمان يبقى الممّر الآمن الوحيد لأي تمديد لقائد الجيش الحالي.
في العام/1995/ صدر القانون رقم 463 /1995 تاريخ 8/12/1995، الذي مدّد لقائد الجيش حينها «العماد إميل لحّود» لمدة ثلاث سنوات حتى العام/1998/. لم يُطعن بهذا القانون من قِبل أي من الأطراف السياسية.
واليوم تقدّم «تكتُّل الجمهورية القوية» بإقتراح قانون مُعجّل مُكرّر، يرمي إلى تعديل المادة /56/ من قانون الدفاع، وتحديدًا سنّ التسريح الحُكمي من الخدمة العائد لرتبة عماد، بحيث يُصبح /61/ عاماً بدلاً من /60/ سنة… على أن يُعمل بهذا التعديل فور نشره في الجريدة الرسمية.
كثُر الكلام أنّ هذا الإقتراح فيما لو أُقّر في مجلس النواب، سيكون عُرضةً للطعن أمام المجلس الدستوري لعلّة مُخالفته صفة التجريد والعمومية والشمولية… كذا… .
علماً أنّ هذا الإقتراح لا يتّسِم بالشخصانية، إنما بالعمومية والشمولية المُجرّدة.
فالإقتراح لا يهدف إلى تعديل سِنّ التسريح الحُكمي لرتبة عماد، لمرة واحدة فقط (كما عُدّلت المادة /56/ دفاع في القانون 463 /1995) إنما بشكلٍ دائم ومستمّر. وبالتالي، سيستفيد منه حُكماً كافة العُمداء لاحقاً، والذين سيتولّون قيادة الجيش مُستقبلاً، بعد ترفيعهم إلى رتبة «عماد».
مما يُفيد، أنّ هذا الإقتراح حُبِكَ بعناية ودراية وإحترافية، جنّبه إمكانية أي طعن به أمام المجلس الدستوري. فضلاً عن كَون هذا التشريع أتى مُتزامناً مع ظروف إستثنائية قاهرة، وهدفه المصلحة الوطنية العُليا «Raison d’état» والحِفاظ على الأمن القومي وسلامة الدولة، ومؤسسة الجيش اللبناني المؤتمنة على الوطن والمواطن وتُراب البلد وحدوده.
وبالختام، بعيدًا من المُناكفات والحسابات، مصلحة لبنان العُليا تبقى فوق كل إعتبار. هدفنا المحافظة على الجيش مؤسسةً وقيادة. حمى الله لبنان دائماً وأبدًا.