يعكس التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون سنة واحدة بعض الوعي اللبناني لخطورة ما يدور في المنطقة وتجنيب لبنان التحوّل إلى إحدى ضحايا المخاض الذي يمرّ فيه الشرق الأوسط. فرضت التمديدَ دوافعُ داخليّة لبنانيّة وأخرى إيرانية. تضاف إلى ذلك، في طبيعة الحال، الظروف المعقّدة في البلد وفي محيطه وفي العالم. تجيء هذه الظروف في وقت ليس ما يشير إلى وجود مؤسّسة أخرى، غير المؤسّسة العسكرّية، تتمتّع بنوع من التماسك في الحدّ الأدنى للتماسك.
ثمّة جوانب عدّة لهذا التمديد أبرزها رغبة إيران في إظهار مدى تحكّمها بلبنان وبما يدور فيه بأدقّ التفاصيل من جهة، وبقاء القناة مفتوحة بينها وبين الإدارة الأميركيّة من جهة أخرى. من الواضح استخدام إيران للبنان في سياق ربط نزاع بينها وبين «الشيطان الأكبر» الذي تسعى إلى عقد صفقة معه محاولةً الاستفادة إلى أبعد حدود من حرب غزّة ومآسيها.
تتفادى «الجمهوريّة الإسلاميّة» قطع التواصل بينها وبين واشنطن. لا يمرّ يوم إلّا وتظهر فيه قدرتها على الحؤول دون توسيع حرب غزّة، علماً أنّها لا تتردّد في تأكيد كميّة الأوراق التي تمتلكها، بما في ذلك ورقة تعطيل الملاحة، وإن نسبياً، في البحر الأحمر عبر الحوثيين.
ليس التمديد لقائد الجيش سوى ورقة من أوراق إيران. تعرف «الجمهوريّة الإسلاميّة» جيّداً أنّ الإدارة الأميركية بذلت، مع الفرنسيين والأوروبيين عموماً، جهوداً كبيرة للحؤول دون حصول فراغ على رأس المؤسّسة العسكريّة… في ظلّ فراغ في رئاسة الجمهوريّة مستمرّ منذ سنة وشهرين.
صواريخ إيرانية… نحو الأردن؟
تودّ إيران في الظروف الراهنة إظهار نوع من المرونة والتشدّد في الوقت ذاته. تساير «الشيطان الأكبر» وتبعث برسائل عن رغبة في لعب دور مسؤول على الصعيد الإقليمي، لكنّها لا تتردّد بجعل ميليشيات تابعة لها تقصف السفارة الأميركيّة في بغداد. كذلك، لا تتردّد في ممارسة ضغوط على الأردن عبر شبكات التهريب التي تمتلكها في سوريا. ربّما أخطر ما في توغّل عناصر من هذه الشبكات داخل الأراضي الأردنيّة أخيراً العثور على منصّات لإطلاق الصواريخ كان مطلوباً تهريبها إلى المملكة الأردنيّة الهاشميّة. عثرت السلطات الأردنيّة المعنيّة على المنصّات إلى جانب المخدّرات التي وجهتها دول الخليج العربي طبعاً، وأسلحة مختلفة وجهتها!
إسرائيل ردّت بعنف…. على رسائل الحزب
كان الرهان على الفراغ في قيادة الجيش بمنزلة رهان على المجهول الذي ينتظر لبنان. هذا المجهول الذي تؤكّده معلومات ينقلها غير طرف. فحوى هذه المعلومات أنّ الدولة العبريّة ردّت بعدوانيّة على الرسائل التي بعث بها إليها الحزب، عبر الفرنسيين وغيرهم. ورد في الردّ الإسرائيلي على إبداء الحزب الحرص على المحافظة على قواعد الاشتباك بين الجانبين في جنوب لبنان أنّ الدولة العبريّة لم تعد مستعدّة لذلك. بالنسبة إلى إسرائيل، لم تعد القواعد التي كان معمولاً بها قبل حرب غزّة تصلح لمرحلة ما بعد تلك الحرب التي ليس معروفاً ما الذي يمكن أن تؤدّي إليه على صعيد المنطقة وما يتجاوز المنطقة، بما في ذلك مستقبل وجود الحزب في جنوب لبنان.
من هذا المنطلق، كان قرار التمديد لقائد الجيش قراراً حكيماً، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار موازين القوى الداخليّة في البلد والوضع الإقليمي وموقف القوى الدولية من لبنان.
لا يدلّ على مدى حكمة القرار وصوابيّته أكثر من وقوف «التيار العونيّ» ممثَّلاً بجبران باسيل في وجهه. كشف موقف صهر الرئيس السابق ميشال عون وشريكه في رئاسة الجمهوريّة عندما كان في قصر بعبدا بين 2016 و2022 مدى الجهل الذي يتمتّع به الثنائي عون – باسيل بكلّ ما له علاقة بما يدور في المنطقة والعالم. يشمل الجهل طبيعة العلاقة بين «التيار العوني» والحزب بأجندته الإقليمية وحساباته المرتبطة بالمشروع التوسّعي الإيراني لا غير.
«التمديد على جثّتي»… السياسية
يمرّ لبنان في ضوء حرب غزّة بمرحلة في غاية الدقّة. لا يدلّ على مدى دقّة هذه المرحلة أكثر من تمسّك إسرائيل بتغيير قواعد الاشتباك مع الحزب في جنوب لبنان، فيما لا تزال إيران متمسّكة بالقواعد القديمة وبأنّها ستتمكّن من عقد صفقة مع إدارة بايدن. لا تعرف إيران أنّ التهديد بتوسيع الحرب لن يساعدها في عقد هذه الصفقة التي تعني اعترافاً أميركياً بهيمنتها على الخليج وعلى الشرق الأوسط. يعود ذلك إلى عجز واشنطن، لأسباب داخليّة أوّلاً، عن دخول مثل هذه الصفقة، خصوصاً قبل أقلّ من سنة من الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة.
يظلّ خيار التمديد لقائد الجيش من بين الخيارات اللبنانيّة الموفّقة في هذه الأيّام الصعبة التي كشفت بين ما كشفته ذلك الجهل السياسي المتأصّل لدى مجموعة من المسيحيين من جهة، وخطورة اللعبة الإيرانيّة القائمة على التهديد بتوسيع حرب غزّة من جهة أخرى. لمثل هذه اللعبة الإيرانيّة مخاطرها الكثيرة، بينها الخطر من انفلات الوضع في جنوب لبنان في حال استمرّ التصعيد من دون وجود قوّة تفرض تنفيذ القرار 1701 بحذافيره وبنوده الدقيقة!