من الثابت، أن التمديد لقائد الجيش يأتي تماشياً مع قاعدة الظروف الإستثنائية وحال الضرورة، وتأميناً لمصلحة البلاد العُليا (Raison d’état) وتوضيحه في مقالنا الأوّل (التمديد للقائد “1”).
ومن الثابت، أن اقتراحات قوانين عدة قد قُدّمت، وفي طليعتها اقتراح القانون المُعجّل المُكرّر والذي قدّمه تكتل الجمهورية القوية.
سُرّبت معلومات من عين التينة، أن الرئيس نبيه برّي رأى أن اقتراح القانون والمومأ إليه أعلاه، تعتريه شوائب دستورية، وقابل للطعن أمام المجلس الدستوري.
ومن الثابت، أن التمديد للقائد لن يأتي نتيجة تبنّي اقتراح قانون إنما سيُصار إلى دمج الاقتراحات المُقدّمة باقتراحٍ واحد، والتصويت عليه أصولاً. كما جرى في جلسة التمديد الأولى لقائد الجيش بتاريخ الخامس عشر من شهر كانون الأول من العام المُنصرم (القانون رقم 317/2023).
ورغم أن جلسة التمديد (بحال عُقدِت) ستسلُك هذا المسار. فلا بأس في تشريح اقتراح القانون المُقدّم من الجمهورية القوية، لبيان مدى دستوريته وقابليته للطعن أمام المجلس الدستوري بحال إقراره.
فبالعودة إلى هذا الاقتراح، يتبيّن جليّاً أنه جاء في مادةٍ وحيدة تضمّنت ما حرفيّته:
“خلافاً لأحكام المادة /56/ … يُعدّل سنّ التسريح الحُكمي من الخدمة العائد لرتبة عماد، بحيث يُصبِح/62/ سنة”.
مما يُفيد، وبمعنى آخر، أنه إبتداءً من تاريخ نشر هذا القانون (بحال أُقرّ) يُصبح سن التسريح الحُكمي العائد لرتبة عماد في الجيش/62/ عاماً وليس/60/ عاماً.
وبالعودة إلى المفاهيم الدستورية، من الثابت أنه يقتضي أن تتوافر وفي أي قانون يصدر عن مجلس النواب، شروط العمومية والشمولية والتجرُّد، وأن لا يكون شخصياً أو لخدمة فرد محدّد.
وبالإطّلاع على اقتراح القانون المذكور، يتبيّن جليّاً، أنه لم يأتِ لمصلحة شخص أم فرد محدّد (كما يحاول البعض أن يشوّه مضمون الاقتراح). فنّص الاقتراح أنه وابتداءً من تاريخ نشر القانون (بحال صدر) يُصبح سنّ التسريح الحُكمي لكل “عماد” يتبوّأ موقع قيادة الجيش مُستقبلاً /62/ عاماً… وبالتالي، لا يستفيد منه حصراً قائد الجيش الحالي بالانفراد.
وبالنتيجة، جاء هذا التشريع ليس لمصلحة شخص أم فرد بالتحديد. إنما جاء لمصلحة كلّ ضابط يحظى مستقبلاً بسدّة قيادة الجيش. فأين الشخصانية المزعومة في التشريع المذكور؟ مما يؤكّد، أن هذا الاقتراح يتّسم بالشمولية والعمومية والتجرُّد. وبالتالي، هو مُحصّن دستورياً، وغير قابل للطعن أمام المجلس الدستوري.
استطراداً، وبحال اعتبرنا أنّ الاقتراح المذكور قد نُظّم لمصلحة قائد الجيش الحالي حصرًا…كذا…. فإن الاجتهاد الدستوري استقرّ على إمكانية التمييز في المعاملة بين المواطنين (والمقصود هنا الضُّباط) بحال توافر شرطين. الأوّل وجود المواطنين (أي الضُّباط) في أوضاع ومراكز قانونية مختلفة (وهذا الشرط متوافر، كون التشريع بحال حصل يتناول رتبة محددة وليس كافة الرتب) والثاني توافر المصلحة العامة، لما يعانيه لبنان من أوضاع استثنائية، وحالة حرب، لم توفّر بشراً ولا حجراً، علماً، أن المجلس الدستوري ذهب بهذا الإتّجاه، وفي أكثر من قرار صدر عنه (القرار رقم 2/2017 تاريخ 16/3/2017) و(القرار 2/2018 تاريخ 14/5/2018).
بالخُلاصة، التمديد لقائد الجيش في هذه الظروف واجب دستوري ووطني. واللعب في مصير مؤسسة الجيش مرفوض. فلا تُدخلوها في حساباتكم السياسية الضيّقة. واذكروا أن الجيش هو دُرّة الوطن، هو مرقد الحلم اللؤلؤي، ومواجع المهج المتلظّية بالحرق (من كتابة الدكتورة سلوى خليل الأمين). واعلموا أن التاريخ سيُحاسب كل مَن سيتآمر على الوطن، وكلّ مُتخاذل عن حمايته. حمى الله لبنان.