IMLebanon

لم تكن الديبلوماسية في مواجهة “وهمية”، وهذا ما قام به هوكشتاين!

 

 

 

فرضت السيناريوهات التي رافقت التمديد للقوات الدولية (اليونيفيل) لسنة البحث عن التسريبات التي تحدثت عن المصاعب التي واجهتها الديبلوماسية اللبنانية في مجلس الأمن الدولي قبل الحسم في جلسة 28 آب الماضي. ولما تنفست الصعداء بات ممكنا البحث عن مصدر هذه السيناريوهات التي كشفت عن أدوار ملتبسة. فظهر ان من بين اصحابها كان الموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين. وعليه فما الذي افرجت عنه هذه الاوساط وكيف ومتى؟

شكك كثر بالحملة الديبلوماسية التي بكرت وزارة الخارجية في خوضها من اجل التمديد للقوات الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) وسعت الى التشكيك بحجم التكتم الذي احاطت به المراجع المعنية جهودها الى درجة تحدث فيها البعض عن معارك “وهمية”، وصفت بأنها مواجهة مع “طواحين الهواء”. وهو امر بات ممكنا الحديث عن أدق تفاصيله بعدما عبر الاستحقاق بما اشتهاه لبنان بوجهيه الديبلوماسي والحكومي على وقع الاستخفاف الذي عبرت عنه اوساط اعلامية وسياسية وحزبية تدور في فلك “محور الممانعة” بما يسمى “المجتمع الدولي” و”ضماناته” باعتبار ان لا سبيل للمواجهة سوى “المقاومة” في وقت لم يقصر الجانب الآخر باتهاماته بتبني الحكومة مواقف هذا المحور والتسويق له فتحولت المراجع الرسمية على من يتلقى السهام من أهل البيت وجيرانه وحلفائه كما الخصوم والمعارضين.

 

وفي تعليقها على مجموعة الاتهامات المتعددة المصادر اجرت مراجع رسمية ديبلوماسية وحكومية عملية فرز لها على مستويات عدة. وهي توزعت بين قائل بأن بعض المسؤولين رضخوا للضغوط الاميركية مخافة المس بالجنسية المزدوجة التي يحملها البعض منهم، كما اولئك الذين يمتلكون مصالح مالية واستثمارية في اكثر من دولة اوروبية وغربية تناصر اسرائيل. الى اولئك الذين اتهموهم بانهم يلعبون دور الوجه الآخر “لمحور الممانعة” والرضوح للسياسات الايرانية في لبنان، كما قالت اوساط المعارضة ومعها مجموعات صنفت على لائحة “السياديين” اتهمتهم بالتقصير في مواجهة من قاد البلاد الى حيث هي بفعل حرب “الإسناد” التي أطلقت منذ الثامن من 8 تشرين الأول الماضي على خلفية مساندة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة قبل ان تدخل اليها عناوين اخرى مثل “على طريق القدس” كما “الدفاع عن المدنيين اللبنانيين” نتيجة القصف الاسرائيلي للاحياء السكنية والتدميرالمنهجي لبعض القرى وصولا الى استهداف المصانع والمنشآت الهاتفية الكهربائية والمائية.

 

وبعيدا من مسلسل المواقف وما حملته من اتهامات موسمية ومتنقلة بين خيار وآخر، بقيت الديبلوماسية اللبنانية على إصرارها في مواجهة الملاحظات التي طاولت دور هذه القوات والتي تمس قواعد الاشتباك، فلم ينس اعضاء مجلس الامن ولا من أعدوا التقارير امامه، ان هذه القوات منعت من القيام بمهماتها كاملة ولم تنجح في حصر السلاح غير الشرعي ومنع انتشاره في جنوب الليطاني وجاءت الأحداث الأخيرة لتدل الى انه ومستخدميه منتشرون على الحدود تحت غطاء ما سمي “أخضر بلا حدود”. عدا عن المرابض المدفعية وقواعد الصواريخ الموجودة ضمن تلك المنطقة المحظورة عليها بموجب القرار 1701 وهو أمر فضح قيادة القوات الدولية قبل ان يفضح المسؤولين اللبنانيين بعدم السهر على تطبيق مقتضيات القرار 1701 على رغم من ان هذه القيادة الدولية أشارت قبل فترة من موعد التمديد الى وجود مرابض لصواريخ وقذائف انطلقت من محيط بعض مواقعها في أكثر من منطقة وخصوصا في القطاعين الغربي والأوسط والتي كانت سببا في استهدافها ومحيطها الحيوي.

 

وعلى هذه الخلفيات التي ألقت بثقلها على المفاوضين اللبنانيين في بيروت ونيويورك كانت الحجة دامغة باحصاء عشرات آلاف الخروقات الاسرائيلية للقرار وهو ما لم تغفله قيادة “اليونيفيل” يوما في تقاريرها الدورية التي احصت هي بدورها الخروق الاسرائيلية البرية النادرة والبحرية والجوية المكثفة مسجلة الآلاف منها والتي تستحق المحاسبة لكن لم يكن هناك من يحاسب. وخصوصا ان سنوات عدة عبرت ما بين صدور القرار عام 2006 والحرب الاخيرة التي فضحت الظهور المسلح الكثيف من مناطق محظورة منذ 8 تشرين الأول الماضي ولكن ذلك كان يمكن تبريره نتيجة الاعتراف الدولي بالوجود غير الشرعي بقوة الأمر الواقع التي لم يعالجها المجتمع الدولي على مدى 17 عاما مستندين الى ما قال به القرار الذي تحدث عن وقف “الاعمال الحربية” ولم يرق الى وقف ثابت لاطلاق النار متجاهلين ان من اطلق الحرب لم يكن طرفا شرعيا وقد تبرأت الحكومة منها من اللحظة الاولى ظهر 8 تشرين الاول الماضي.

 

وانطلاقا مما تقدم لم تكن المواقف المبدئية للدول اعضاء مجلس الامن تتناول مهلة التمديد لهذه القوات التي اعتادت ان تكون سنوية منذ تعزيزها وتكليفها المهمة السلمية في المنطقة. وفي الوقت الذي نقل ه الموفد الرئاسي عاموس هوكشتاين كلاما عن التمديد لثلاثة أشهر او ستة اشهر لهذه القوات لم يكن لبنان قد تبلغ من اي دولة اخرى حتى من واشنطن مثل هذا الطرح. وعندها تبين ان هوكشتاين كان يتماهى مع مطالب اسرائيل التي لا يمكنها ان تتحدث صراحة عن مثل هذه الصيغة وهي المتهمة امام المجتمع الدولي بهذا الكم من الخروقات في الجنوب قبل الحرب الاخيرة وفيها، وصولا الى ادانتها من اعلى محكمتين دوليتين كمحكمة العدل والجنائية الدولية التي تناقش في إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت وآخرين.

 

وما كان مستغربا عند مناقشة مواقف هوكشتاين ان معظم القوى الدولية لم تتناول هذا الشأن. كما أنها لم تقارب دور “اليونيفيل” ومهماتها وولايتها . فقد كان ممثل الولايات المتحدة في مجلس الأمن يتحدث عن مخاطر “أفعال حزب الله” التي “تهدد المدنيين في كل من إسرائيل ولبنان”، وأنه “لا يجب ان يكون لبنان منطلقًا لهجمات على إسرائيل”. فيما نقل عن مساعدة سفير فرنسا في نيويورك قولها باسم الدولة “حاملة القلم” التي أعدت مشروع قرار التمديد، ان بلادها اقترحت “تجديد “التفويض بشكله القائم” دون اي إشارة إلى مدة ولايتها، تقديرا “للدور الذي يقوم به جنود القوة في ظروف في غاية الصعوبة”، وأنه سيكون “على المجلس ان يبدي استعداده لاتخاذ تدابير أخرى إذا اقتضى الأمر”. وبقيت ملاحظات المندوبين البريطاني والإسباني والألماني ونظرائهم محصورة بتوصيفها للوضع مؤكدين “أن الوضع عند الخط الأزرق في جنوب لبنان أخطر من أي وقت مضى”.

 

وبناء على ما تقدم تمكن لبنان من شرح ملاحظاته التي أبطلت مفاعيل اقتراحات هوكشتاين والمندوب الاسرائيلي الذي تحدث عن خرق “حزب الله” للقرارات الدولية باستخدام منطقة جنوب الليطاني “مكانا يخفي فيه أسلحة وصواريخ في ما يسميها ملكيات خاصة” بطريقة لم يعطها اعضاء مجلس الامن اهمية في ظل العدوان المستمر على لبنان. ولذلك فإن مواقف الدول المشاركة في “اليونيفيل” كان لها الصوت الاقوى من الصوت اللبناني للتمديد سنة كاملة. فالبعثة الفرنسية ومعها البعثتان الايطالية والاسبانية يدركون ان جنودهم بما لهم من حجم من ضمن “اليونيفيل” انهم في خطر دائم وجدي، وان من المهم جدا وقف العمليات العسكرية وتطبيق القرار 1701 لإبعاد المخاطر عن المئات من نظرائهم من عشرات الدول الاخرى.

 

وبناء على ما تقدم رأت المراجع الديبلوماسية أن ليس في قدرة أحد ان يتحدث عن خرق ما يمكن ان يسجله هوكشتاين ان عاد الى لبنان بعد التمديد لـ “اليونيفيل” في شأن المنطقة الحدودية قبل نهاية مهمته لمجرد ان يغادر الرئيس جو بايدن البيت الأبيض. فلا يعتقدن أحد انه يمسك بناصية المفاوضات المؤدية الى خفض التصعيد، فالقرار حتى اليوم هو في يد اسرائيل، و ليس في يد الاميركيين ولا مجلس الأمن وبالطبع ليس في يد اللبنانيين.