يركز رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون في تحركاته مؤخراً مع القوى السياسية الحكومية على عدم التمديد لقائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي وتعيين من بعده قائد فوج المغاوير العميد الركن شامل روكز على رأس هذه المؤسسة العسكرية. دون أن يعني ذلك تراجع العماد عون عن ترشحه إلى رئاسة الجمهورية أو دخوله في تسوية سياسية تقضي بانسحابه مقابل تعيين روكز قائدا للجيش بل إن العماد عون يعتبر ترشيحه الرئاسي أمر غير للنقاش وهو في الوقت ذاته يشكل «القفل والمفتاح» له وإذا ما دقت الساعة الدولية والإقليمية لطي صفحة الفراغ فإن عودته إلى بعبدا رئيساً للجمهورية أمرٌ ستشارك فيه القوى السياسية المحلية. ثم ان ابعاد قهوجي من قيادة الجيش يشكل إقصاء لمنافس له عن الحلبة الرئاسية وينطلق العماد عون من دعمه لوصول روكز من قاعدة تقارب روحية القانون الإنتخابي الأرثوذكسي الذي يجيز لكل طائفة أن تختار نوابها وبذلك يعتبر بأنه ينطلق من الواقع التالي للتمسك بخياره:
– أولاً: يبدو واضحاً أن زعيم الطائفة السنية ورئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري هو صاحب الكلمة ألفصل في تعيين الضباط القادة من الطائفة السنية في المواقع العسكرية والأمنية العليا حتى إن مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان وصل إلى موقعه نتيجة إختياره من قبل الرئيس الحريري.
– ثانياً: يتبين بوضوح أن الثنائي الشيعي أي حزب الله وحركة أمل لهما القرار الأول والأخير في تعيين الضباط القادة من هذه الطائفة في سائر المناصب الأمنية والعسكرية الأساسية. وكذلك يملك رئيس حركة أمل «ورئيس مجلس النواب الرئيس نبيه بري» حق التقرير وألبت فيما يخص المجلس الشيعي الأعلى لناحية التعيينات على رأسه وفي كل مفاصله.
– ثالثاً: لا يخفى أن الزعيم الدرزي ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط هو المعبر الأساسي للتعيينات في المناصب الحساسة والتي هي من حصة الطائفة الدرزية وكذلك الامر في ما خص شيخ العقل الطائفة الدرزية.
من هنا تقول الأوساط المحيطة بالعماد ميشال عون بأنه كزعيم مسيحي ويمتلك اكبر كتلة نيابية وزارية مسيحية لا يطالب إلا بما هو حق له على غرار ما يحصل في الطوائف الأخرى ولذلك يصر على تعيين روكز قائداً للجيش اللبناني كضابط ناجح يدل سجله العسكري على ذلك وهو يتحرك في إتجاه كافة القوى السياسية معززاً اندفاعته بإدخال الوزير جبران باسيل على خط متابعة هذا الموضوع مع هذه القوى.
إلا أن أوساطاً متابعة لهذا الملف تعتبر أن ما يحصل حالياً حول قيادة هذه المؤسسة الوطنية الضامنة للسلم الأهلي أمرٌ جد حساس ولا يمكن التعاطي معه بهذا النوع من الحماس والعاطفة بعد الدور الذي هو عليه الجيش اللبناني في هذه المرحلة مشيرةً إلى إستحالة توافق القوى الحكومية على تعيين روكز قائداً للجيش اللبناني إذ إن الثنائي الشيعي الحليف مباشرة للعماد عون أو غير مباشرةً يعتبر إن الأمر بعيد المنال ولذلك هو يترك العماد عون يمضي في تحركه في حين أن تيار المستقبل يمارس معه الدهاء السياسي على غرار ما تعاطى معه بالملف الرئاسي اذ هو لا يرفض ويربط موافقته بقرار القوى الاخرى والمسيحية الحليفة بنوع خاص وقوله له أنه لا يعارض إذا ما وافق هؤلاء على ذلك وهو ما يعتمد الرئيس الحريري حالياً في ما خص تعيين العميد روكز بحيث أن المستقبل لا يريد أن يظهر وكأنه يرفض وصول روكز ولكن على قاعدة «عدم الجواب» التي يتوافق على اعتمادها معه كبار المتوافقين على استهلاك العماد عون في فريق قوى 14 اذار لضبط أدائه وعدم انتقاده لهم كما كان الحال قبيل « حواراته » مع فرقاء في هذا الفريق.
وكذلك الامر بالنسبة للقاء الوزاري الذي يضم وزراء حزب الكتائب اللبنانية ورئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان والوزير بطرس حرب الذين سيكون لهم موقف رافض لتعيين روكز بحيث بات هذا التجمع الذي يتحضر ليكون مؤثرا في حال طرح موضوع النفط وتلزيماته يوما، قادر على اسقاط اي تفاهم بين القوى الحكومية لا يوافق عليه، في وقت تدرج القوات اللبنانية كقوى سياسية غير حكومية حالياً موقفها في خانة أن رئيس الحزب الدكتور سمير جعجع عمل بجهد من أجل ردم الهوة التي خلقتها حرب الإلغاء من جانب العماد عون وأن الحوار بين رئيس جهاز التواصل في القوات اللبنانية ملحم رياشي وبين عضو تكتل التغيير والإصلاح النائب إبراهيم كنعان يهدف إلى طي صفحات الماضي وبذلك فإن وصول روكز كأحد ضباط رموز حرب الالغاء قد يسقط كل هذا المجهود ويعيد التشنج الى الوسط المسيحي، في حين يربط الوزير فرعون هذا الامر بالموقف الموحد لقوى 14 آذار.
لكن الاوساط السياسية ذاتها تعتبر بأنه من غير الممكن التعاطي مع منصب قائد الجيش بهذه الخلفية المذهبية إذ هو الرئيس المسيحي الوحيد في هذه المنطقة على رأس جيش عربي يقاتل على جبهتي إسرائيل والإرهاب وإعطاء هذه الحصرية الطائفية لهذا المنصب من شأنه أن يوجد هوة بين المؤسسة العسكرية وبين شريحة واسعة ذات بعد طائفي في هذه المنطقة وخصوصاً أن مهمة كبيرة تنتظر الجيش اللبناني في ما خص مواجهة الإرهاب في أكثر من نقطة ومنطقة داخل لبنان أو على مشارفه على غرار جبهة البقاع الشمالي
وإذ تلفت الاوساط الى ان العماد قهوجي لم يدخل حتى اليوم في الصراع الداخلي، فلا هو كان شاهدا على تفجير كنيسة سيدة النجاة ، ولا هو شارك في القمع والأعمال الامنية أسوة بأحداث 7 آب امام قصر العدل وما تبع تلك المرحلة من ممارسات قمعية وامنية ولا هو تفرج على احداث 7 ايار ونتائجها تشير إلى أن القادة الأمنيين في المؤسسات التي يتولونها لم يأخذوا لوناً سياسياً «ساطعاً» كما هو واقع العميد روكز وذلك نتيجة ممارسات التيار الوطني الحر بحيث بات يشكل تعيين روكز «قهر» لفريق مذهبي بعيدا عن قدراته ومؤهلاته، حتى ان النائب نهاد المشنوق كأحد صقور هذا الفريق يتعاطى من مسؤوليته كوزير للداخلية كمن «وضع الماء في كأس نبيذه» في موازاة. مضيّه في مواجهة الاٍرهاب الذي هو خيار استراتيجي لتيار المستقبل، ولذلك فان مع كل عملية كانت تنفذها، القوى التابعة لوزارة الداخلية والجيش اللبناني كانت تواكب بموقف مباشر من قبل الرئيس الحريري او تيار المستقبل ام القوى الحكومية قاطبة، وبذلك فان المجهود سيكون مضاعف مع كل عمل او قتال عسكري يقدم عليه الجيش اللبناني اذا ما تولى قيادته العميد روكز، من دون اغفال الثقة التي يتمتع بها روكز وترجمها في عدة محطات أسوة بـ7 أيار، لكن الحملة التي قادها التيار الوطني هي التي شكلت عاملا معرقلا.
لكن مع اقتراب ساعة الحسم في هكذا موقع قيادي حساس، بات واضحا ان تعيين العميد روكز من قبل الحكومة لن يمر ولا يبقى حسب الاوساط سوى خيار تأجيل تسريح العماد قهوجي من خلال قرار يوقعه وزير الدفاع سمير مقبل والذي بات لا تراجع عنه كما ينقل عن مقبل، وذلك دون أية ترضيات تقضي بتمديد مهام عدد من الضباط كقادة الالوية وبينهم روكز كقائد لفوج المغاوير، عدا ان اي صيغة تهدف لرفع سن تقاعد العمداء تؤدي الى «ترهل « جسم المؤسسة العسكرية، وسيكون على العماد عون تكمل الاوساط التفاعل مع الواقع اذ لا هو يستطيع ان يطيح بالحكومة. طالما حزب الله في حاجة اليها ولا هو بامكانه توقيف قرار مقبل الذي سيقبل الموضوع في وقت قريب، في وقت ان أقصى ما سيرافق الامر شن التيار الوطني حسب أوساطه حملة على مقبل تذكر بعدد من ملفات له صلة فيها أسوة بادخاله براميل النفايات السامة الى شننعير وفاريا… اضافة الى المطالبة بسحب الثقة منه لكون ما اقدم عليه وزير الدفاع السابق فايز غصن من تمديد للعماد قهوجي جاء في مرحلة تصريف الحكومة المستقيلة للأعمال . ولذلك لا يتقبل الامر العماد عون ولكن حجة مقبل على ما يقول متابعو هذا الملف معه ان قانون الدفاع الذي استهلكت بنوده بات واضحا ويجيز لوزير الدفاع في حالة الحرب الإبقاء على الضباط في مواقعهم ومناصبهم نظرا لمعرفتهم بطبيعة الميدان وهو ما يطبق على قائد الجيش البناني حاليا الذي يقود هذه المواجهة بقرار حكومي وغطاء سياسي من حلفاء عون وأصدقائه وخصومه.