أيّاً كان الأمر، وفي أيّ شكل من أشكال الميثاقية، كان التمديد سيحصل. فالقرار متّخذ بإقراره، إنه جزء من التوافق المرحلي بين السنّة والشيعة. وليس هناك مكان لـ»الدلع» المسيحي، لا في هذا المجال، ولا في أي مجال آخر. وإذ تكفّلت «القوات اللبنانية» بتوفير النصاب الميثاقي، فهي سَهّلت الإخراج… ضمن الحدّ الأدنى من «وجع الرأس الطائفي»!
هناك انطباع بأنّ موقف «القوات» هو الذي منع الوصول إلى «نهاية العالم»، أي الفراغ الشامل و»المؤتمر التأسيسي». وهذا الكلام يبدو منطقياً. ولكن، في العمق، يجدر طرح بعض الأسئلة، وأبرزها:
– لو حان وقت المؤتمر التأسيسي، هل كان «حزب الله» قد مرّر التمديد في هذه السهولة، خصوصاً أنّ موقف حليفه المسيحي مناسب للمعارضة؟
– هل العاملون الجدّيون للتمديد، اللاعبون المحليون الأقوياء (الثنائي الشيعي وتيار «المستقبل»)، والمعنيون إقليمياً ودولياً بإدارة اللعبة الداخلية، كانوا يكتفون بالمراهنة على موقف «القوات» لضمان تمرير مشروعهم؟
فماذا لو استمرَّت «القوات» رافضة للتمديد على غرار العماد عون أو حزب الكتائب؟ هل كان مسموحاً أن «تطير» التسوية المرحلية السنّية – الشيعية، بسبب المسيحيين، علماً أنّ التسويات المذهبية المرحلية، في مناسبات سابقة، لم تأخذ بآراء أحد منهم، لا الذين في 8 آذار ولا في 14 آذار ولا في بكركي: من قانون «اللقاء الأرثوذكسي» إلى التمديد الأول للمجلس… وصولاً إلى التمديد الثاني. أما رئاسة الجمهورية فيتكفّل المسيحيون أنفسهم بإضاعتها!
لذلك، فاللعبة أكبر من أيّ حزب أو فريق مسيحي، بما في ذلك بكركي. وفيما جرى التهافت على الصرح لسؤال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عن مرشحه المفضَّل للرئاسة، جرى اليوم تجاوز رأيه الرافض للتمديد. وكان لافتاً تجاوز موقف العماد عون، حليف الرئيس نبيه برّي في «8 آذار»، والاكتفاء بالميثاقية التي تؤمّنها «القوات».
فالتمديد هو خيار مرحلي أوعزت إليه القوى الدولية والإقليمية المعنية. والتركيبة اللبنانية الحالية مطلوب استمرارها، والمجلس أحد ركائزها. ولا يستقيم الحكم في أيّ لحظة بلا سلطة تشريعية، فيما يمكن القبول لفترة معينة بالبقاء بلا رئيس أصيل للجمهورية، والاستعاضة عنه بالوكيل، أي مجلس الوزراء مجتمعاً. ومن هنا السكوت الضمني للمرجعيات الدولية، والبعثات الديبلوماسية، على خيار التمديد، ولو كان غير ديموقراطي من الناحية المبدئية.
وبعد زيارة السعودية، وجد الدكتور سمير جعجع نفسه أمام «أهون الشرّين». ومرة أخرى، أدّت «القوات» دور «أم الصبي» لمنع الخراب، وتجرّعت كأس التمديد لئلا يتجرّع البلد كأس الفراغ. وأما الضرر الذي سيصيب «القوات» من هذا الخيار «غير الشعبي» فهو محصور نسبياً، لأن لا انتخابات نيابية حتى سنة 2017، ولا خوف من مفاعيل انعكاسه على «الشعبية القواتية».
في الدرجة الأولى، كان المطلوب إقناع أكبر الكتل المسيحية، ولا سيما كتل عون وجعجع والجميّل وفرنجية، تحت غطاء بكركي، بالمشاركة في التمديد لتوفير «التغطية الميثاقية». ولكن، جرى الاكتفاء بتغطية أكثر تواضعاً.
ولو لم تتوافر تغطية «القوات»، لكانت تغطية فرنجية وسائر النواب المسيحيين كافية. والرئيس برّي لم يعلن اشتراطه تصويت أحد الحزبين الكبيرين «التيار الوطني الحرّ» و»القوات» لو لم يضمن حضور «القوات»، ثم التصويت.
أمّا العماد عون، فقد تلقّى الرسالة عشية جلسة التمديد. فالأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله اختار التوقيت المناسب لكي «يبقّ البحصة» التي كان يخبّئها طوال عامين أو أكثر، وقال: «عون هو مرشحنا». وهذه جائزة ترضية قدّمها «الحزب» لعون عشية التمديد، على غرار جوائز الترضية في كل المناسبات التي تمّ فيها تجاوز «الجنرال» منذ الدوحة عام 2008. لكنها «شيكات» بلا رصيد!
وربما ارتاحت الرابية إلى هذا الموقف ظاهرياً. لكنها تُشارِك البعض تشكيكَهم. فالكثيرون يعتقدون أنّ تبنّي «الحزب» ترشيح عون، في ظل انعدام الفرص لانتخابه، سيكون الخطوة الأولى لـ»إحراقه»، إمّا بإضاعة الانتخابات إلى أجلٍ غير محدّد، وإمّا بتسهيل الاتفاق على الرئيس- التسوية.
وفي الخلاصة، جاء التمديد ليضع المسيحيين مرّة جديدة أمام استحقاق حاسم: هل ما زال لهم دورٌ في صناعة التسويات؟ فالمطلوب منهم أداء دور الديك ليكونوا شهوداً على طلوع النهار. ولكن، ليس على الديك أن يعتقد بقدرته على تحريك قرص الشمس.