تتطلع الاوساط السياسية المحلية والدبلوماسية بكثير من الاهمية الى جلاء موقف تيار المستقبل من تبني خيار انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية. غير ان زوال الضبابية التي تحكم الموقف المستقبلي لا تكفي لضمان وصول الجنرال الى بعبدا اذ هناك الكثير من المواقف الاخرى المطلوب معرفة الخيط الابيض من الاسود فيها. فسواء نجح رئيس تكتل التغيير والاصلاح في بلوغ خط النهاية في السباق الرئاسي ام لم ينجح، وسواء تمكن رئيس تيار المردة من الوصول الى بعبدا ام لم يصل، فان الاستحقاق الرئاسي دخل مرحلة جديدة لم يعد للمراوحة من مكان فيها، فشهر تشرين سيشكل النقطة الفاصلة حيث باتت الرئاسة على الابواب بغض النظر عن هوية من يملأها. وهو ما يقرأ بين سطور نداء المطارنة وما سبقه من حركة ببركة هذه المرة منذ عودة الرئيس الحريري.
فما الذي جرى خلال الايام الماضية؟
تروي مصادر متابعة انه قبيل عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان بلغت الاوضاع ذروتها من التأزم لدى كافة الاطراف التي وجدت نفسها «محشورة في الزاوية» سواء نتيجة الفعل او ردات الفعل وفي مقدمة تلك الاطراف التيار الوطني الحر، الذي اتخذ قراره الجدي بالمواجهة مستخدما ورقة الشارع، ما قد يهدد الوضع الامني في ظل ما توافر من معلومات للاجهزة الامنية اللبنانية عن استعداد خلايا ارهابية نائمة للتحرك في موازاة الحركة التي سيشهدها الشارع لبث الفوضى، وتتابع المصادر ان الهدف الاساس للتحرك العوني كان الضغط باتجاه ايصال العماد عون الى قصر بعبدا، متخذة كحجة الميثاقية والتمديد لقائد الجيش بما تشكله هذه الخطوة من رفع لاسهم العماد قهوجي الرئاسية.
عليه والكلام للمصادر لم يكن امام المطابخ اللبنانية ، الا القيام بمبادرة تسحب فيها فتيل التوتير، ما يسمح بتمرير الاستحقاقات الداهمة، فكان القرار ثلاثي المختارة «عين التينة» بيت الوسط بالتحرك بايعاز «خارجي»، لاستعاب التحرك العوني واحتوائه، فمد الحريري جزرته الرئاسية، وهدد استاذ عين التينة بعصا شارعه المضاد في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر قبل ان ينفذ المرحلة الاولى من «تهديده» بانزال قطاعات النقل الى الشارع، فيما تولى بيك المختارة دور الناصح والواعظ. كل ذلك والوضع العوني الى مزيد من التأزم داخل الحزب البرتقالي ونتيجة خياراته والسقف العالي الذي بلغه في تصعيده.
هكذا نجح تحرك الحريري في تحقيق غايته، اولا بانزال العماد عون عن الشجرة، وثانيا في تمرير الاستحقاقات الالغام، التي آخرها اليوم بتكريس تعيين رئيس الاركان، بعدما كان وقع وزراء التيار مرسوم ترقيته الجوال، فيما مر «خميس الانتخاب الموعود» على خير وكذلك قرار التمديد للعماد قهوجي حيث اكتفى العونيون ببيان مقتضب، فانحسرت حركتهم حدود تأجيل جلسة تكتل التغيير والاصلاح ، وظهر العماد عون على شاشة التلفزيون بخطاب رئاسي ذات سقف مضبوط وانفتاح باتجاه الجميع.
غير ان الحريري الذي صعد الشجرة التي انزل عنها العماد عون كان بدوره بحاجة الى من ينزله تضيف المصادر، وهو الدور الذي اجاده رئيس المجلس فاتحا الكوة المطلوبة، مشترطة بداية السلة الرئاسية، التي بمضمونها عمليا لا تختلف عن بنود جلسات الحوار، الا ان اسلوب وتوقيت طرحها بيانا ما خفي وراءها، فكانت المعادلة السلة شرط لوصول الجنرال الى بعبدا ،بغض طرف من حزب الله الذي وقف الى جانب الرئيس بري صراحة هذه المرة.
«سلة» استاذ المجلس كانت تحتاج الى جهة لتمرر اليها وتخرجها خارج الملعب، رسالة فهمتها بكركي جيدا وتعاملت معها كما يجب، حيث شاءت الصدف ان يكون ضيف احدى المحطات التلفزيونية يوم الاحد الماضي رئيس جامعة مسيحية معروف بانحيازه للعماد عون، مطلقا نيرانه في كل الاتجاهات، فما كان من بري الا ان رد بهجوم مضاد لبكركي، قبل ان يتوضح «سوء الفهم»، وتحدد الجهات المعنية في البيانين، وتنتهي الاتصالات باتفاق على صدور نداء عن مجلس المطارنة يعيد خلط الاوراق الرئاسية ، محققا الهدف المطلوب، اسقاط ترشيح العماد عون مقابل سقوط السلة، وفتح الباب امام مرشح جديد من خارج نادي الاربعة.
ماذا بعد كل ذلك؟
اوساط سياسية مطلعة على ما يجري اعداده، كشفت عن اتصالات خارجية على اعلى المستويات تجري بالتوافق مع اطراف داخلية، بحثا عن اسم تنطبق عليه المواصفات التي وضعتها عواصم القرار الدولي المعنية بالوضع اللبناني، والتي اعاد تاكيدها بيان المطارنة بالامس، والذي رأت مصادر عونية انه يحمل بين سطوره استهدافا واضحا للعماد عون ، من هنا كانت العبارة المشهورة التي بثتها الـ أو.تي.في عشية السجال بين بكركي وعين التينة، «ما ادراكم ماذا بين بري الراعي وعدوان»، معتبرة ان عدم اتصال الحريري بعون حتى الساعة يشير الى ان «الامور مش ماشية»، وعليه فان الخطة ب للتيار ستوضع موضع التنفيذ في حرب «يا قاتل يا مقتول» هذه المرة، بعدما حددت ساعة صفرها في السادس عشر من الشهر الحالي.
فهل ينفذ العونيون تهديدهم ويعتصمون امام القصر الجمهوري الذي ستشهد يوم الاحد 16 تشرين الاول تحركهم الاول في رحلة استعادة الميثاقية؟ ام ان قطبة مخفية ما او ارنبا جديدا سيظهر ليمرر هذا اليوم على خير كما حصل في المحطات السابقة؟ وهل تستمر اللعبة الحريرية والاجابات الرمادية التي تحصل عليها الرابية في لعبة كسب الوقت طويلا؟ الاكيد ان ما بعد الجلسة 46 لانتخاب رئيس لن يكون كما قبلها، والمؤكد ان فرص العماد عون الرئاسية عادت لتقارب الصفر بحسب الاوساط.