Site icon IMLebanon

القرار الخارجي والجيش ركيزتا الستاتيكو مرور “قطوع” الترقيات أسقط التلاعب بالمؤسسة

تحظى قيادة الجيش منذ بعض الوقت باستقطاب ديبلوماسي ملحوظ ساهم التداول المتزايد لموضوع الترقيات الأمنية وإدخال الجيش في معمعة التجاذب السياسي في حجبه بعض الشيء في ظل تسليط الضوء على التجاذب والتشنجات السياسية التي أثارها موضوع الترقيات كما الأنعكاسات التي تركها على الواقع السياسي. وكان لافتاً بالنسبة الى بعض المراقبين حصر بعض الموفدين الديبلوماسيين زياراتهم للبنان بقيادة الجيش دون سواها من المسؤولين أو كاحد ركائز الزيارات التي لا يمكن ان تغفل موقع هذه القيادة. ولعل هذا الأمر ينسحب في شكل عام على غالبية الديبلوماسيين اذ من المتوقع على سبيل المثال ان تشمل زيارة رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية جيرار لارشيه قائد الجيش العماد جان قهوجي ايضاً في حين تكاد تنحصر زيارات ديبلوماسيين ومسؤولين اميركيين للبنان بقائد الجيش دون سواه على نحو قد لا ينحصر في موضوع المساعدات الأميركية للجيش في ظل ما هو معروف من الدعم الأميركي القوي للجيش، لكن لوجود مؤسسة شرعية وحيدة متماسكة يعول عليها ربما اكثر من اي وقت مضى في هذه المرحلة الدقيقة من ظروف لبنان والمنطقة. وهذه الزيارات تكتسب دلالاتها في ظل عاملين اساسيين: احدهما يتصل بالوضع الأمني الذي يشكل وحده الهاجس الأهم لغالبية الدول التي لا تزال تهتم بلبنان في ظل الحرص على المحافظة على الاستقرار وعدم اهتزازه، كما في ضوء محاولة تلمس ابعاد التطورات في الجوار السوري على لبنان مع استعدادات متنامية ومستمرة لتقديم الدعم للجيش. والآخر يتمثل في واقع ما باتت عليه السلطة السياسية من تفكك خصوصاً في ظل تعطيل مجلس الوزراء بحيث تغدو الانقسامات سبباً مباشراً للابتعاد عن الدخول فيها لمصلحة السعي الى مركز قرار عملاني يمكن استطلاعه حقيقة الأوضاع التي تشغل بال الخارج اي مدى صلابة الوضع الأمني وقابليته للاستمرار من دون اهتزاز جدي في ظل الخلافات الداخلية من جهة وفي ظل انعكاسات ما يجري في سوريا من جهة اخرى.

وهناك مثل يعتمد عليه من أجل تخفيف وقع بعض الأمور هو “رب ضارة نافعة”. في حين تنطبق على الوضع الراهن مقولة معاكسة أو مناقضة مفادها “رب نافعة ضارة”. اذ ان السياسيين ينامون في الواقع على حرير تمتع الوضع بالاستقرار الأمني الموجود بالحد المقبول، الأمر الذي يسمح لهم باستباحة الوضع السياسي وشل قدرة مجلس الوزراء على الاجتماع من أجل بت شؤون الناس. فهذه نعمة تترجم في مكان ما نقمة كذلك بالنسبة الى اللبنانيين ما دام يستفاد من الاستقرار النسبي من أجل تعميم تعطيل المؤسسات الدستورية والذهاب في ذلك الى ابعد مدى من دون ايلاء مصالح المواطنين اهمية تذكر ولا كذلك المخاطر الأمنية الموجودة، والتي لا يمكن اغفالها في الواقع خصوصاً مع الغليان الحاصل في المنطقة. اذ انه بات معلوماً ان ما يبقي الستاتيكو الداخلي القائم أمران: الأول هو عدم وجود قرار اقليمي- دولي بتفجير لبنان ومحاولة ابقائه قدر المستطاع بعيداً عن دفعه في اتون الصراع الاقليمي القائم ولو انه ليس في منأى فعلي عنه، حتى لو لم تكن حرب المتاريس قائمة على الأرض. والآخر هو الجيش اللبناني كمؤسسة جامعة قادرة على تأمين الاستقرار ومن هنا استمرار دعمها بقوة والاستثمار فيها لهذه الغاية.

الا ان ذلك لا يلغي احتمال ان ما يعتبره كثر مظلة خارجية هي قابلة للاختراق من جهة في الوقت الذي يؤثر تعطيل السلطة السياسية بشكل كبير على اداء المؤسسة العسكرية من حيث حاجتها باستمرار الى الغطاء السياسي الجامع والشامل من أجل حرية حركتها. وسبق للجيش ان واجه في محطات عدة غياب الغطاء السياسي على غرار ما واجهه مراراً في طرابلس مثلاً، قبل ان يضمن في الأسابيع الأولى من تأليف الحكومة وجود دعم وغطاء كاملين من كل المكونات الحكومية في هذه الحكومة الجامعة لكل الأفرقاء على غير ما كانت عليه الحكومة السابقة. اضف الى ذلك ان ما جرى في الشهرين الأخيرين من مداخلات في اتجاه فرض تعيينات أو ترقيات معينة ترك آثاراً مؤذية وكان يمكن ان تكون اكثر سوءاً مما حصل لو لم تجهض هذه المحاولات في نهاية الأمر بإعادة ضبضبة الترقيات في سياق قانوني ودستوري وليس في السياق السياسي الذي كانت تدور فيه. وهذا ما يعتبره مراقبون قطوعاً حقيقياً كانت المؤسسة العسكرية على محكه لو لم تجر الأمور وفق ما انتهت اليه في نهاية الأمر، بحيث ساهمت في خلاصة رئيسية الا وهي وضع حد لتلاعب السياسيين بالمؤسسة ونسيجها الطائفي والتراتبي في الوقت نفسه. وهي خلاصة مهمة وجيدة يقر بها أفرقاء سياسيون كانوا داعمين في الواقع لموضوع ترقية بعض الضباط وخصوصاً صهر الجنرال ميشال عون شامل روكز من أجل وقف تعطيل “التيار الوطني الحر” وحليفه “حزب الله” لمجلس الوزراء، وتبين لهم ان الأثمان كانت لتكون باهظة جداً على الجيش اكثر بكثير مما هو معروف أو متداول به بعدما بدا التلاعب السياسي بالمؤسسة العسكرية مهدداً آخر معاقل المؤسسات الشرعية التي تبقي على الدولة كدولة في الحد الأدنى من هيكليتها.