IMLebanon

هل سُدّت أبواب المبادرات الخارجية بعد الداخلية؟

 

لا يبدو انّ الرهان ما زال متاحاً على اي مخرج داخلي لأي من مجموعة الأزمات، فاللقاء الذي استضافته بعبدا أمس بين رئيس الجمهورية ورئيسي المجلس النيابي والحكومة لم يقدّم اي صيغة. فتوجّهت الأنظار الى الحركة التي يمكن ان تشهدها الفترة المقبلة. فالجولة الخليجية للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في الايام المقبلة ستشمل الدوحة، في وقت يكون قد سبقه إليها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. فهل لهذه المصادفة أهمية؟

سقطت كل الخيارات الداخلية لتوفّر اي مخرج للأزمات المتلاحقة والمتناسلة التي تعاني منها البلد، فالعجز الرسمي بات ثابتاً وإن بقي المسؤولون “متمترسين” خلف مواقعهم ويحتفظون بمواقفهم الثابتة من بعض الملفات، لن تنتج حلاً في المدى المنظور، وانّ التطورات السلبية ما زالت مرشحة للتطور نحو الاسوأ على اكثر من مستوى، ولا سيما على المستوى النقدي، حيث بلغ سعر الدولار الأميركي المدى الذي لم يشهده لبنان من قبل، وإن كان متوقعاً من معظم الخبراء الماليين والنقديين، وفق المؤشرات المالية والإقتصادية التي نضحت بها بنحو موثوق لا يرقى اليه الشك. وما كان ناقصاً ان يستوعب أهل الحكم والحكومة حجم المخاطر المقدّرة. وبدل الإقدام على مثل هذه الخطوة الشجاعة في الوقت المناسب، تجاهلوا مختلف التحذيرات التي أُطلقت من الداخل والخارج.

 

واياً كانت النتائج التي انتهى اليها لقاء بعبدا الثلاثي امس، فإنّ هناك من يتحدث عن معوقات تحول دون ان يُترجم اي تفاهم في ما بينهم، ليشكّل الخطوة الاولى على طريق الحل المنشود، ولو من باب إحدى الأزمات “المفتاحية” التي يمكن من خلال التوصل اليها ان يسهل الولوج الى بقية الحلقات المتداخلة، والتي شكّلت سبباً لمسلسل العِقد التي تلتها او نتجت منها.

 

ولا يقف الامر، عند المطلعين على كثير من التفاصيل، على مجرد التنظير. فقد كشف أحدهم عن صيغة سابقة كان يمكن ان تؤدي الى استئناف جلسات الحكومة ان صح في حينه انّ المشكلة كانت في مطلب وزراء “الثنائي الشيعي” بأن يلعب مجلس الوزراء دوراً في “قبع” المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ طارق البيطار، ولم تكن بعد قد ظهرت عقدة تصريحات وزير الاعلام جورج قرداحي، لتزيد الوضع تأزماً، وبروز شرط رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعدم توجيه الدعوة الى مجلس الوزراء قبل استقالة قرداحي قبل الجلسة او خلالها، أو التعهّد باقالته إن لم يفعل ذلك بمبادرة شخصية منه تخفف الحرج عن الأطراف الاخرى.

 

وبالعودة الى تلك المرحلة، فقد اثبتت تلك الجلسة ان ليس سهلاً على مجلس الوزراء ان يلعب دوراً في قضية البيطار، سواء بالنسبة الى إبعاده او إبقائه. فعدم تجاوب عون وميقاتي ووزير العدل هنري خوري مع مطالب وزير الثقافة محمد مرتضى وحلفائه، ومعهم عدد آخر من الوزراء، كان كافياً للخروج بنوع من التفاهم يؤول الى ان يلعب وزير العدل دوره في مخاطبة مجلس القضاء الاعلى بحثاً عن المخرج. وهو ما فرض في حينه رفع المسؤولية عن مجلس الوزراء كمؤسسة، وترك الموضوع للمعنيين بشؤون القضاء ان يقوموا بعملهم ولم يكن ـ لوصدقت النيات ـ لجلسات مجلس الوزراء ان تتوقف، وربما كان من الممكن تلافي ما حصل في الطيونة وزواريب عين الرمانة لو بقي الالتزام قائماً من جانب “الثنائي الشيعي” بما انتهت اليه جلسة مجلس الوزراء بضرورة “ترك ما لقيصر لقيصر”، اي ما للسلطة القضائية لها، وما للسلطة التشريعية لمجلس النواب وما للسلطة التنفيذية للحكومة، فتنتفي أكثرية الأسباب التي قاد إليها النزاع على الصلاحيات في ما بينها.

 

وإن دخل المراقبون في تفاصيل تلك المرحلة، فقد توقفوا أمام الجلسة النيابية “المنضبطة” التي ادارها رئيس مجلس النواب نبيه بري في اليوم التالي، فأبعد عنها بما يمثله “الدستوري المحنك” شبح المناقشات التي شهدتها جلسة مجلس الوزراء، وكأنّه يقول ببعدها عن كل ما له علاقة بالقانون والدستور. ولكن الأمر لم يقف عند استيعاب الصدمة في مجلس النواب، فانقلبت الصورة في اليوم التالي لتتبخر كل الآمال التي عُقدت عليها واستجرّت الحملات الإعلامية وعبر مواقع التواصل الاجتماعي التي رافقت التحرّك الشيعي أمام قصر العدل وعند مستديرة الطيونة وفي زواريب عين الرمانة، فنضحت الكؤوس بما فيها من مظاهر “القوة المفرطة” وتجاوزت بنتائجها الكارثية كل التفاهمات التي قادت إليها المساعي لتطويق ما شهدته جلسة مجلس الوزراء، وانتقلت المواجهة من المؤسسات الدستورية والقضائية الى الشارع، بمعزل عن القوى التي خطّطت او تورطت او استدرجت اليها تحت اي ظرف من الظروف.

 

وكأنّ ذلك لم يعد كافياً، من اجل إعاقة المساعي الجارية لإحياء جلسات الحكومة. فبالإضافة الى اجواء التشنج التي قادت إليها أحداث الطيونة ومحيطها، جاءت ردات الفعل السعودية على تصريحات الوزير جورج قرداحي لتضيف سبباً آخر يحول دون إنعاش الحكومة الوليدة، فتعقّدت الامور وتشابكت الى الذروة واختلط حابل الأزمات السياسية والحكومية والأمنية والقضائية والديبلوماسية بنابلها، وسُدّت كل المخارج الى الحلحلة ورُفعت العوائق الاضافية الى الدرجة التي شملت معها كل مظاهر الدولة والمؤسسات.

 

اما وقد وصلت الامور الى ما وصلت اليه داخلياً، فما زاد في الطين بلة انّ الحلول الخارجية دخلت مرحلة من التعقيد أيضاً، وبات البحث عن الحل أكثر صعوبة وتعقيداً. فالعلاقات بين اطراف النزاع الخارجية التي إنعكست نتائجها على الساحة اللبنانية الداخلية منذ تحولها مسرحاً مضافاً الى المسارح اليمنية والعراقية والسورية، ليست افضل من الداخلية. وإن صحت النظرية التي قالت انّ المواقف السعودية شكّلت رداً على كل ما يجري في اليمن من مأرب الى الحُدَيدَة، فإنّ ما أعاق استئناف المفاوضات الايرانية ـ السعودية سيزيد من حال التشنج إلى أجل غير محدود. وإن أصرّ البعض على انتظار استئناف المفاوضات بين إيران ومجموعة الدول (5+1) في فيينا في 29 من الجاري، بات علينا انتظار تلك المحطة وما ستليها من خطوات يمكن ان تشكّل انعكاساً على هذا الخليط من الأسباب الداخلية والخارجية التي تسببت بما نحن فيه من خلال الانهيارات المتوقعة.

 

وبناءً على ما تقدّم، هناك من ينصح بانتظار ما يمكن ان يشهده الشهر المقبل، رهاناً من هذا البعض على ما يمكن ان تأتي به جولة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى منطقة الخليج العربي، والتي ستشمل على التوالي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر، بحيث ستكون زيارته الاخيرة متزامنة مع زيارة الرئيس ميشال عون للدوحة ولو بفارق ايام تسبق وجوده فيها، لعل في مثل هذه الحركة ما يوحي بإمكان التفاهم على مخرج ما. وإن نجحت المساعي الداخلية بالحصول على استقالة قرداحي كما نضح من لقاء بعبدا امس قبل تلك المحطات، قد يكون ماكرون قادراً على استثمار هذه الخطوة لدى المعنيين الخليجيين، ولا سيما السعوديين، مع الخوف إن كان لهذه الخطوة من أهمية بعد.