عبَرت الأيامُ الأربعة بعد قمة بيروت العربية بهدوء على عكس ما كان متوقعاً. وبدل الإنفجار المرتقب بين عين التينة وبعبدا استغلّ الرئيس نبيه بري لقاءه والرئيس سعد الحريري ليوجّهَ رسالةً مباشرة الى بعبدا عبّر فيها عن «علاقته الممتازة» مع الرئيس ميشال عون وصهره وزير الخارجية جبران باسيل. وعلى وقع هذه التطورات تسرّبت معلومات عن تشكيلة حكومية يجري البحث خلالها عن «مروان شربل سنّي» لإكمال العقد الحكومي وإعادة نظر طفيفة بحقيبتين أو ثلاث. وعليه ما الجديد؟
تزامناً مع حملة الإتصالات التي قام بها اكثر من وسيط هدأت الجبهة الداخلية وتراجعت التوقعات بانفجار الوضع بين المسؤولين الكبار، وخصوصاً بين عون وبري عقب ما رافق القمة الاقتصادية العربية من مواقف متشنّجة كانت تُنذر بالأسوا إثر اختتامها.
ويعترف وسطاء بذلوا جهوداً مضنية في الأيام الأخيرة انهم نجحوا في تبريد الأجواء من خلال الدعوة الى تأجيل الخلافات الداخلية مهما بلغت حدّتُها امام حجم المخاطر الأمنية والإقتصادية والمالية المتأتّية عن حدثين:
– الأول، يتحدث عن الأخطار المتوقعة الناجمة من ما بلغه من حدّة النزاع الأميركي ـ الإيراني في المنطقة، والإسرائيلي – الإيراني على الساحة السورية.
وهو أمر دلت اليه نتائج زيارة نائب وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل لبيروت والتي استكملها قائد المنطقة العسكرية الوسطى الأميركية الجنرال جوزف فوتيل.
وما زاد في الطين بلة أنّ هذه النتائج تقاطعت وتلاقت في خطورتها مع ما حملته مجموعة من التقارير الإستخبارية والديبلوماسية التي تحدثت عن اقتراب هذا النزاع من مرحلة الذروة المنتظرة في منتصف الشهر المقبل مع موعد مؤتمر وارسو (بولندا) المخصّص للإعلان عن الحلف الدولي ضد طهران وحلفائها.
ما تأكّد من وجود قرار إسرائيلي بفتح حرب شاملة على الأراضي السورية ضد ما تسمّيه تل أبيب الوجود الإيراني في المنطقة التي كان من المفترض إخلاؤها جنوب العاصمة دمشق في عمق 85 كيلومتراً من خط الجولان المحتل.
– الثاني، يكمن في زيارات المسؤولين في البنك الدولي لبيروت الذين حملوا تحذيرات خطيرة من التطورات الإقتصادية والمالية التي تنتظرها البلاد في حال التأخير في تشكيل الحكومة العتيدة. ذلك أنّ الحاجة ماسة لتجديد الإتصالات بالأطراف الدوليين والجهات المانحة والمقرِضة المعنية بمؤتمر «سيدر 1» قبل أن تضيع الفرص المتاحة للبنان في هذه المرحلة والتي قد لا تتكرّر مرة أخرى.
وهو أمر قاد الى اجتماعات بعيداً من الأضواء لتدارك بعض الثغرات المالية والإقتصادية ومعالجتها قبل فوات الأوان. ذلك أنّ هناك استحقاقات على وزارة المال ومصرف لبنان مواجهتها بصمت وبلا ضجيج منعاً من حصول الأسوأ قبل أوانها.
وعلى وقع هذه التطورات كانت المعلومات المتداوَلة بين القريبين من المراجع الرسمية يتبادلون سيناريوهات مقلقة عن إجراءاتٍ ينوي رئيس الجمهورية اتّخاذها ما لم تبرز أجواء إيجابية توحي بإمكان تشكيل الحكومة قد تؤدّي الى وضع الجميع امام مسؤولياتهم الحتمية لتدارك الوضع والتراجع عن المطالب الصغيرة والآنيّة التي يمكن تعويضُها في مراحل لاحقة، وتحديداً عند تشكيل الحكومة العتيدة والانطلاق بالحركة الإقتصادية والإدارية المطلوبة للخروج من مرحلة تصريف الأعمال الى الأعمال المطلوبة على اكثر من صعيد، فالتكليف عبر الأشهر الثمانية بلا أيّ طائل، فيما المؤشرات المحلية والإقليمية والدولية الأمنية منها والمالية كما الدبلوماسية والسياسية تتّجه نحو أسوأ السيناريوهات التي ربما لم تعشها البلاد قبلاً.
وبناءً على ما تقدّم كشفت المصادر القريبة من دوائر التأليف أنّ مجمل الحراك السياسي الذي شهدته الأيام الماضية بلغ مرحلة متقدمة في اتجاه تشكيل الحكومة العتيدة استناداً الى ما تمّ بناؤه قبلاً من دون أيِّ تغيير يُذكر.
وما يُتداوَل، هو إعادة نظر في حقيبتين او ثلاث من بينها وزارات الصناعة والبيئة والتنمية الإدارية على أن تبقى بقية الحصص والحقائب كما تمّ التفاهمُ عليها سابقاً، وهو أمر دفع الحريري الى زيارة رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط ليلاً من أجل هذه الغاية.
وبدل البحث عن الصيغة التي جاءت بجواد عدرا ممثلاً لـ«اللقاء التشاوري» السنّي من حصة رئيس الجمهورية طرحت المعادلة التي استنسخت تجربة الوزير مروان شربل في حكومة الرئيس تمام سلام في نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان الذي عُين وزيراً للداخلية من حصة رئيس الجمهورية من الموقع المتقاطع بينه وبين رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون.
وفي المعلومات المتداوَلة على نطاق ضيّق أنّ لائحة الأسماء التي يمكن إدراجُها تحت هذا العنوان ليست طويلة وهي لا تتجاوز عدد اصابع اليد بوجود جواد عدرا في ما بينها إذا ما أسقط «الفيتو» الذي وضعه الثنائي الشيعي عليه ودفع نواب «اللقاء التشاوري» الى اتّخاذه قراراً بسحب موافقتهم عليه كممثل لهم في الحكومة العتيدة.
وعند الحديث عن التشكيلة الجديدة المحكي عنها ثمّة سيناريو طرح في الأيام الماضية عند البحث في تشكيلة الـ 32 وزيراً لتجاوز الفوارق بين عدد الوزراء السنة والشيعة يتحدث عن وجود أسماء لامعة على لائحة تضمّ مجموعة من النخب الذين اختاروا شطبَ مذهبهم عن الهوية وباتت لهم لوائح خاصة في سجلّات النفوس ويمكن الإفادة من قدرات مجموعة منهم تستحق أن تمثَّل في الحكومة من بين طائفة جديدة لا ترغب أن تكون بين الطوائف الثمانية عشر الأخرى المعترَف بها في لبنان، وبذلك تنتهي مسألة تمثيل العلويين والأقليات لتفتح معادلة جديدة لم تطبَّق في لبنان قبلاً.