اعتقد سياسيون كثر مع انطلاق التحرك الشبابي المدني قبل أسابيع ان الضغط في الشارع الذي اربك السلطة كما أربك الوضع العام وكاد يهدد بانزلاق البلد الى مواجهات يومية تهدد استقراره سيفتح الأفق أمام احتمال التفكير في الذهاب الى انتخابات رئاسية يتم تنفيس الاحتقانات من خلالها خصوصا انها ستؤدي الى جملة متغيرات من بينها تأليف حكومة جديدة. فالاضطراب الداخلي كان سيرغم الدول الاقليمية التي تأخذ استحقاقات البلد رهينة في انتظار انجاز تسويات اقليمية او دولية على اخراج لبنان قسراً من حتمية انتظار هذه التسويات تحت طائل ان يتحول الى بؤرة من الفوضى فأثبتت اعادة لمّ شمل الافرقاء السياسيين عدم الرغبة في ترك لبنان ينزلق اليها. اذ ان هذا الأفق الذي أدى اليه التحرك المدني بدا ثغرة صغيرة سرعان ما اقفلت، ولو “على زغل”، باعتبار ان النواة لاستغلال التحرك الشعبي وتوظيفه تستمر قائمة بقوة ووضعت قاعدة جديدة للعمل السياسي راهناً. وهذا الاقفال تم عبر تطورين: الأول عودة السلطة الى الامساك بالوضع أمنياً من دون الحاجة الى توريط الجيش الذي لم يكن يراد له ان يتولى الأمور في الداخل راهنا وذلك عبر اساليب اظهرت استيعاباً للتحرك الشبابي الى حد كبير بعد سلسلة اخطاء حصلت على صعد عدة. ويمكن القول ان السلطة اعادت التماسك هي نفسها بعد اهتزاز فعلي كاد يهددها. والآخر هو انطلاق جلسات الحوار بين الافرقاء السياسيين مهمتها العملية اظهار اهتمام هؤلاء بما يرفع اللبنانيون من مطالب واظهار الحرص على مواكبتها من خلال محاولة التواصل لردم الخلافات بالتزامن مع عمل بعيد من الأضواء من اجل تأمين تفعيل العمل الحكومي من خلال محاولة إرضاء العماد ميشال عون بترقية العميد شامل روكز الى رتبة لواء وحفظ حقه او بالاحرى فرصته بتسلم قيادة الجيش السنة المقبلة.
الآن طاولة الحوار ليست فعلياً اكثر من محاولة لادارة الأزمة من خلال التواصل نظراً الى ان الافق مسدود فيما المخاطر المحيطة بالبلد الى ازدياد. ولا اوهام لدى احد بان فاعليته ضئيلة او شبه معدومة باستثناء الايحاء ان في امكان المسؤولين ان يتواصلوا في ما بينهم وفق ما يجمع مراقبون سياسيون وديبلوماسيون. ومع ان اقفال البلد في كل جلسة حوار يبدو مكلفاً جداً على مستويات عدة وفي مقدمها المستوى الاقتصادي، فإن المخاطر باتت تترتب عن جملة عوامل رفعت سقفها التطورات الاخيرة في الخلاصات التي ادت اليها ومن بينها:
ان لا افق محتملاً او قريباً لتأمين حصول الانتخابات الرئاسية ايا تكن التوافقات المبدئية التي يمكن التوصل اليها بين الافرقاء وليس هناك اكثر من مضيعة للوقت ومراوحة في المكان نفسه.
ان ثمة مخاطر اقتصادية حقيقية تكمن في ما يمثله اعادة النظر في التصنيف الائتماني للبنان. وهو امر يتفادى الافرقاء السياسيون التطرق اليه شأنهم شأن تجنبهم مقاربة اي موضوع على سبيل الرؤية السياسية البعيدة المدى او استباق ما قد يحدق بالبلد. اذ ان غالبية الافرقاء السياسيين يتبارون في الاعلان انهم حذروا من مخاطر هذا الموضوع او ذاك كما في موضوع اللاجئين السوريين مثلا او في موضوع النفايات او سواها من المواضيع في حين ان اي معالجة جدية بعيدا من المزايدات السياسية لم تحصل لا على طاولة مجلس الوزراء ولا خارجها ولم يسمح للمجلس اساساً بت ما يتعدى الشؤون اليومية المباشرة.
فالمخاطر الأساسية تبعاً لهذه الخلاصات باتت تكمن في زعزعة الثقة بالبلد وتعميق الشعور بعدم الاستقرار والتفلت الامني الذي غدا مبنياً على تحدي القوى الامنية مراراً وتكراراً. فارتفاع مستوى الضغط الذي بات يواجهه البلد فجر السقف المعهود لادارة الازمة، اذ كان هناك سقف خلال الاشهر الماضية من عمر الشغور الرئاسي ولم يعد هناك سقف راهناً لهذه الادارة او تم رفعه كثيرا. وهذا ينسحب في الدرجة الاولى على الوضع الاقتصادي الذي لا يوليه اهل السياسة اهتماماً كبيراً. اضف الى ذلك ان الشعبوية المفرطة زادت نسبة المخاطر في البلد انطلاقا من ان الشعبوية هي نتيجة ضعف وليست نتيجة قوة باعتبار ان من لا يستطيع اقناع العقل يلجأ الى استخدام الغريزة. وهو ما يخشى منه في استخدام التحركات الشعبية.
هذه الخلاصات ادت الى خشية ديبلوماسية على لبنان نتيجة الحساسية البالغة للوضع والخشية من اتجاهات او توظيفات قد يذهب اليها على نحو غير متوقع. والحل المرتقب ليس على طاولة الحوار بل في محاولة ايجاد مخرج يرضي العماد عون بما يمكن ان يرفع الحظر عن عمل الحكومة بعض الشيء فيضخ الحياة في عمل الحكومة نسبياً في انتظار ان يأتي الوقت المناسب للالتفات الى الاستحقاقات. هذا ما يدفع ديبلوماسيون في اتجاهه وما يقال انه متاح على رغم السقوف المرتفعة لبعض المطالبات على غرار تلك التي رفعها زعيم التيار الوطني الحر من انتخابات تجرى من الشعب او اجراء انتخابات رئاسية وما شابه. فمع ان غياب عامل الثقة بين الافرقاء السياسيين يدفع الى الشك في وجود رغبة في دفع البلاد الى خطر شديد، فإن بعض الديبلوماسيين أظهروا ثقة بان هذه المطالب لا تجد صدى ايجابيا لدى حلفاء الجنرال قبل خصومه لان انتخاب الرئيس من الشعب يجعل النظام رئاسيا في حين ان الطائفة الشيعية حريصة على سيطرتها على البرلمان ولن تفرط بسلطتها عليه.