IMLebanon

ويلٌ للعالم إذا تطرّفت فرنسا!

فرنسا تتقدّم نحو التغيير على وقع القلق من المفاجآت. لم يحدث أن عاشت فرنسا الشعبية والسياسية كما تعيش اليوم وحتى أيار المقبل. ليس فوز دونالد ترامب بالرئاسة هو الذي خلط الأوراق، وجعل الممكن غير ممكن، والمستحيل ممكناً. في عمق هذه الأزمة أن الجمهورية الخامسة قد شاخت منذ عقد وأكثر، ولم تتم مواجهة هذا الاستحقاق بشجاعة. جاك شيراك أقدم على خطوة واحدة وتوقّف، عندما جعل مدّة الولاية الرئاسية من سبع إلى خمس سنوات. حتى فرنسوا ميتران الذي قال يوماً: «سبع سنوات قليلة و14 سنة كثيرة»، لم يغادر قصر الاليزيه إلاّ بعد 14 سنة بالتمام والكمال وشبه محمول بسبب مرضه الذي منعه من ممارسة صلاحياته أكثر من ساعات قليلة تناقصت تدريجياً مع الفترة الرئاسية.

مَن المرشح الذي سينتخبه الفرنسيون رئيساً لبلادهم؟ يبدو الجواب أكثر من أحجية. الانتخابات التمهيدية في اليسار واليمين، زادت مصاعب الحل، وأضافت تعقيدات على تعقيدات. عند اليمين سقط آلان جوبيه، المرشح الذي كان اليسار قبل اليمين يصفه بالرئيس المقبل، فكانت المفاجأة من نوع «الزلزال». طبعاً الحرب التي شُنَّت عليه كانت هائلة

وقذرة في أحيان عديدة. في فترة تلقت فرنسا فيها ضربات «داعشية»، من الإرهاب الأسود، لا تستحقها ولا يتحمّلها مجتمعها، وزّعت صورة لجوبيه بذقن «داعشية»، وفي صورة أخرى وُزِّعت صورة له وأسمه عليها «علي جوبيه». بهذا جمع أعداءه فيه، العداء لـ«داعش» ولإيران و«حزب الله» فسقط، وفاز فرنسوا فيون رئيس وزراء الرئيس نيكولا ساركوزي الذي كان خصمه، ورأى الناخبون خصوصاً لدى اليمين الليبرالي «التاتشري» بديلاً مطمئناً لهم للفوز على مرشح اليسار.

لم تمضِ أيام على فوز فيون واطمئنان «اليمين الجمهوري» لفوزه رغم أنه محافظ – ليبرالي أكثر مما يتحمّل اليمين الفرنسي نفسه، وإذا «بفضيحة بينولوب – غيت» تكرسحه وتجعله يمضي الوقت في شنّ حملة لتبرئة نفسه. حتى الآن لم يرحمه أحد ويبدو أن الناخبين الفرنسيين لن يرحموه مهما كان دفاعه شرساً. لأن الفرنسي لن يقبل التحايل على المال العام في زمن تعاني بلاده داء البطالة، يوظّف نائب ورئيس وزراء ومرشّح للرئاسة، زوجته في وظيفة وهمية حصل منها (لأنها هي لم تكن تمارس كما اعترفت أي وظيفة) على مبلغ يصل إلى مليون أورو (ثم الكشف عن وظيفة وهمية لولدَيه). طبعاً يجب الأخذ في الاعتبار أن حرب «السكاكين الطويلة» داخل معسكر اليمين قد أنتجت ذلك. نيكولا ساركوزي كما يُقال لم ينسَ أن فيون حرمه التجديد لنفسه، فانتقم منه بتمرير الفضيحة إلى أمّ الصحف التي لا يُكذّب خبر لها (لوكنار اونشنيه) فكانت الفضيحة.

المرشح فيون مصرّ حتى الآن على الترشّح حتى يعمق تردّد آلان جوبيه بالعودة إلى الحلبة، وفي الوقت نفسه يعمل على إقفال الأجواء أمام «الصاروخ» ايمانويل ماكرون من اليسار المنفتح على اليمين وهو القادم من عالم المصارف فالوزارة ليكون البديل مارلين لوبين مطبقاً شعار «أنا أو الكارثة». على آلان جوبيه أن يقرّر بسرعة ما إذا كان سيرشّح نفسه في الأيام العشرة المقبلة وإلاّ فإن الوقت «سيقتله».

في اليسار انسحب الرئيس فرنسوا هولاند بعد تفكك أضيق الحلقات حوله في الحزب الاشتراكي. قرار هولاند كان شجاعاً جداً، خصوصاً وأنه احترم به نفسه ولم ينتظر حتى يقول له الناخب الفرنسي «إرحل عنّا». «الخائن» الأول مانويل فالس رئيس الوزراء، اعتقد لوهلة أنه سيكون مرشّح اليسار فإذا بالمرشّح المجهول (نسبياً) بنوا هامون يطيحه بفارق 18 نقطة، فيضطر إلى الانزواء. لكن السؤال هل سيستخدم «السكين الطويلة» لـ«قتل» المرشح هامون، اليساري الذي يريد جمع اليسار؟ علماً أنه بحاجة الى اليمين المعتدل الذي لا يبدو مستعداً لنجدته، ولهذا من الصعب المراهنة على استمرارية «السلام المسلّح».

في هذه الأجواء الملبّدة لم يبقَ سوى ايمانويل ماكرون الذي يقدّم نفسه بديلاً لجميع المرشحين على قاعدة أنه من معسكر اليسار المعتدل والمنفتح على اليمين، وهو صعد بسرعة إلى درجة أنه أطلق عليه لقب «الصاروخ». حظوظه كبيرة إذا لم تنتج «حرب السكاكين الطويلة» مقتله داخل معسكره. يبدو أن سيغولين رويال المرشحة التعيسة الحظ للرئاسة والزوجة السابقة للرئيس هولاند، تلعب دور «الناصح» للمرشّح ماكرون. ولذلك قالت له: «السياسة صعبة، تعتقد أنك فكّرت بكل شيء لكن تمر عليك أمور لم تتوقعها.. تعقيد الانتخابات الرئاسية فوق كل الخيال»، لكنها في الوقت نفسه تقول لأصدقائها «إنه يملك الشخصية». يعتقد الكثيرون في الحزب الاشتراكي أنها في النهاية ستدعمه، ولذلك نصحته وكأنها متأكدة من فوزه في الدورة الأولى ومقارعته في الدورة الثانية لمرشحة اليمين المتطرّف مارلين لوبين الصاعدة والمهدّدة أي مرشح في الدورة الثانية وتضعه في خطر، ربما يصل إلى درجة «الزلزال»: «احذر مارلين لوبين، يجب ألاّ تدعها تتنفس. قارعها الكلمة بالكلمة والمهرجان بالمهرجان».

السؤال الكبير، في فترة تقدّم الشعبوية وخطر «داعش» الإرهابي، ماذا لو انقلب الفرنسيون على أنفسهم وقفزوا إلى الضفّة الثانية أي اليمين المتطرّف وانتخبوا مارلين لوبين؟

في زمن انتخب الأميركيون دونالد ترامب، لا شيء مستحيلاً. لكن إذا حصل ذلك، في فرنسا التي لا تملك النفط وإنما الأفكار، ستصبح بلا عقل. ولأن فرنسا «قلب» أوروبا فإن هذا «الداء» سيصيب حكماً أوروبا وعلى رأسها ألمانيا.

ويلٌ للعالم إذا سقطت فرنسا ومعها أوروبا في جحيم اليمين المتطرّف!