Site icon IMLebanon

عين «داعش» على الأردن

نشرت مجلة «دابق» التابعة لتنظيم داعش في عددها الأخير، مقابلة مع الطيار الأردني الأسير لديها معاذ الكساسبة. بدا لافتا حرص التنظيم على نشر صورة الطيار الشاب ببزة الإعدام البرتقالية مع تلك النظرة المنكسرة التي ظهرت على وجهه مرفقة بنص مقابلة حملت في نهايتها سؤالا له حول المصير الذي يتوقعه لنفسه، فكان جوابه أنه ينتظر قتله.

لعبت المقابلة على وتر مشاعرنا وعلى وتر مشاعر الأردنيين الذين تحولت قضية الطيار الأسير بالنسبة إليهم، إلى قضية وطنية، وفتحت في سبيل حلها قنوات تفاوض سرية يجيد النظام الأردني حبكها. كان سبق المقابلة تسريبات غير مؤكدة عن انقسام كبير في قيادات التنظيم حول كيفية التعامل مع الطيار؛ فالبعض، كالشيشانيين مثلا، ينحو باتجاه قتله، فيما يميل العراقيون إلى المفاوضة بشأنه.. صحيح أن تلك معلومات غير مؤكدة، لكن لم يسبق أن أجرى تنظيم داعش مقابلات مع من يحكم عليهم بالإعدام، فهو لم يسمح لضحاياه سوى ببضع عبارات يقولونها لحظة إعدامهم، لكن مع الطيار الأردني تختلف الحكاية.

فقد تزامنت مقابلة الطيار مع نشر المجلة نفسها مقالا يصف أبرز مشايخ السلفية الجهادية في الأردن (أبو قتادة وأبو محمد المقدسي) بأنهم «أئمة الضلال». وفي العدد نفسه أيضا مقال لشخص يدعى «أبو جرير الشمالي» يحكي روايته المفترضة عن تنظيم القاعدة منذ عهد زعيمه أسامة بن لادن وحتى اليوم، بما في ذلك من محطات أردنية عديدة، كحقبة أبو مصعب الزرقاوي. أيضا لم توفر «دابق» إعلاميين أردنيين وفلسطينيين من حملاتها، متهمة إياهم بالنفاق والتضليل.

لماذا ركزت «دابق» ومن خلفها «داعش» على الأردن؛ سلفيين وإعلاميين ودولة؟؟

يبدو أن التنظيم رغم طموحاته وقدرته على جذب مناصرين من كل العالم، لديه حساسية أيضا تجاه الأردن؛ فالمملكة الأردنية التي انخرطت رسميا في الحملة العسكرية الدولية على «داعش»، وحسمت موقفها منذ زمن باتجاه الانحياز للمعسكر المناهض لـ«القاعدة» و«داعش»، هي أيضا من أنجبت أبو قتادة والمقدسي وأنجبت الدموي الذباح الزرقاوي، بل ومنها برز أول رموز «القاعدة» في الثمانينات الشيخ عبد الله عزام.. علينا أن ننتبه إلى الأصل الزرقاوي لـ«داعش» من خلال إشارة «دابق» إلى تقديمها الأخير على غيره من مشايخ السلفية الجهادية.. فنحن في حالة الزرقاوي حيال الداعشي الأول، ولكن يبدو أيضا أن فتاوى المقدسي وأبو قتادة المناوئة لـ«داعش» أزعجت التنظيم. مع تخبط هلال العراق وسوريا ولبنان بأخطار تنظيم داعش وتوابعه، يحتفظ الأردن بحد مقبول التوازن في تحصين ساحته الداخلية. تحقق ذلك رغم أن للتنظيم قاعدة في الأوساط السلفية الجهادية الأردنية لطالما رفدته بقيادات وعناصر، وهؤلاء بشكل خاص هم زرقاويو التيار في الأردن. لكن يبدو أن إدارة ملف هذه الجماعات الذي تمايزت به الأردن وسهل لها ضبط خطر هذه الجماعات، هو نفسه ما يجعل من محاولة التنظيم خلق خطاب أردني في إعلامه الدابقي أمرا مفهوما.

التركيز على الأردن يظهر انشغالا به من قبل التنظيم ويشي أيضا برغبة في التفاوض.

لن يكون سهلا مبادلة الطيار الأردني بأسماء مثل العراقية ساجدة الريشاوي، التي حاولت تفجير فنادق في عمان قبل عقد تقريبا، لكن لن يكون أيضا سهلا على التنظيم إعدامه؛ ذاك أن قناة مفاوضة بيده لن يبددها بسهولة. «دابق» قالت إن عين «داعش» على الأردن، لكن ليس على سلطته وحسب، إنما على سلفييه الجهاديين أيضا.