ما يحصل على الحدود مع سوريا، له ما قبله وسيكون له ما بعده. فانفجارا حي «السبيل» يربطهما صاعق واحد موصول على زنار النار المتربص بالمنطقة الحدودية، ودلالاتهما الأمنية، استهدافاً وتوقيتاً، تدق جدياً ناقوس الخطر الإرهابي المتمدّد أينما استطاع إلى التمدّد سبيلاً.
في دلالات الاستهداف، الأصابع كلها تدل على «داعش» في عبوتي «هيئة علماء القلمون» والدورية العسكرية – الأمنية المشتركة، «الهيئة» لاعتدال أئمتها ومناهضتهم لفكره، و«الدورية» لتجسيدها السيادة الوطنية العصية بجيشها وشعبها وقواها الأمنية على تمدد مجموعاته باتجاه الداخل. أما دلالات التوقيت الأخطر فتكمن في توالي الانفجارين خلال 24 ساعة مع ما يختزنه هذا المعطى من مؤشرات تشي بتفعيل خلايا التفخيخ أنشطتها الإرهابية على مدار زمني متسارع تسارعَ الأحداث الحاصلة عند الحدود والواصلة بين مقلبيها السوري واللبناني.
المعطيات العسكرية الرسمية تؤكد أنّ «الوضع لا يزال تحت السيطرة»، غير أنها لا تخفي في الوقت عينه قلقاً متعاظماً من الخطر المحدق بالجبهة الحدودية تحت وطأة محاولات «داعش» المستميتة على وصل ما انقطع بين مجموعاته المترامية على ضفتي الحدود. وفي مجريات المعارك الحدودية الدائرة في سوريا، تضيء المعطيات بشكل خاص على نقطتين استراتيجيتين تخضعان للعناية الفائقة على مستوى الرصد العسكري اللبناني، الأولى عند محور بلدة «مهين» حيث يجهد مقاتلو «داعش» لتعزيز تمركزهم في البلدة الواقعة في ريف حمص الشرقي مع ما يتأتى عن ذلك من دنو الخطر الإرهابي من الحدود الشمالية الشرقية، في حين يكمن الخطر الأكبر الذي يواكب تطوراته عن كثب المعنيون العسكريون عند محور بلدة «صدد» حيث كثّف الداعشيون خلال الأسبوعين الأخيرين محاولاتهم الدؤوبة للسيطرة على البلدة من دون أن يتمكنوا من تحقيق مرادهم حتى الساعة. وبين النقطتين، ترتسم معالم الترقب والجهوزية على خارطة اليقظة العسكرية باعتبار نجاح المجموعات الإرهابية في التمدد نحو «صدد» من شأنه أن يتيح لها شقّ معبر يصل طريق الشام بحمص ويشرّع الأبواب تالياً أمام وصل جبهات الإرهاب على طول الخط الممتد من تدمر إلى رأس بعلبك.
وبينما يتولى الجيش تحصين الجبهة الحدودية ورصد الخطر المتمدد بين «مهين» و«صدد»، يبدو البعض في الداخل بصدد تحصين مصالحه الفئوية وتحسين شروطه السياسية بشكل مُهين للدولة لا يقيم لمؤسساتها مصلحة ولا وزناً من رأس جمهوريتها المبتور إلى أذرعتها التشريعية والتنفيذية المشلولة وصولاً إلى محاولات تطييف وتسييس حصنها الجامع المتمثل بالمؤسسة العسكرية. وما أزمة الترقيات وخضة الرواتب سوى ضرب من ضروب التعطيل والتنكيل بالجمهورية بجيشها وشعبها ومؤسساتها، ولولا ألطاف ذوي الرأفة بالدولة ومسارعتهم إلى تدارك الأزمة والخضة لكان خطر ذوي التعطيل أشد مضاضةً على الجيش من وقع الحسام الداعشي.
لا مبالغة في بيت القصيد من وراء الوصف ولا غايات سياسية وراءه، سيما وأنّ العارفين بكواليس «اليرزة» ينقلون وقائع موثوقة تؤكد أنّ أزمتي الترقيات والرواتب العسكرية كادت أن تنال من معنويات الضباط بعدما بات بعض العمداء يتساءلون أمام القائد عمّا إذا باتت رتبة اللواء معيارها الولاء للساسة لا المؤسسة. ما اضطر العماد جان قهوجي حينها إلى جمع كبار الضباط لطمأنتهم إلى التمسك بالأصول ومعايير الأقدمية والكفاءة دون سواها، متعهداً بأنّ الترقيات لن تتم إلا وفق معايير قانونية توضع لاختيار الضباط المستحقين ولا تفصّل على مقاس ضباط بعينهم على حساب غيرهم من المستحقين. كذلك الحال بعد أزمة الترقيات، سارع قهوجي إلى وأد خضة الرواتب في مهدها بحركة مكوكية حازمة بين المسؤولين بالتوازي مع تكليفه ضباط الوحدات والألوية بطمأنة العسكر إلى كون القيادة لن تتهاون في الموضوع وستتحمل مسؤولياتها على أكمل وجه. وهكذا كان، تحملت القيادة المسؤولية فصُرفت الرواتب مع تعهد بانتظام صرف رواتب العسكريين سواءً عبر الأطر التشريعية أو من خلال اعتماد الآلية نفسها التي اعتمدت في صرف رواتب تشرين الثاني إذا اقتضى الأمر كما وعد وزير المالية علي حسن خليل قائد الجيش.
«.. الخطر على الأبواب» عبارة يرددها المعنيون العسكريون للفت عناية المتلهّين بلعبة التعطيل والنكايات إلى واقع الأخطار الراهنة والداهمة على الجبهة الحدودية لعلها تثنيهم عن مزيد من النخر في بنية المركب الوطني. الرسالة واضحة: ويل لوطن يتربص به الأعداء عند الحدود.. وتناحر أبنائه لا يقف عند حدود.