لولا بضعة حوادث أمنية فردية، وآخرها مقتل القاضي دياب بركات أمس داخل منزله في بيت الشعار، وما سبقه من قتل ميمونة في القليعات… لكانت البلاد في حال عطلة فعلية ولما كانت الصحافة وجدت مادة (محلية) تتقدم بها من القارىء.
إلاّ أن هذا ليس دليل عافية بأي حال من الأحوال. والعكس صحيح… إنه في الحقيقة دليل إنهيار شبه شامل، أقلّه بالنسبة الى الظروف الراهنة.
فلو كانت حال لبنان طبيعية، لكان هذا البلد بألف خير، ولوجب علينا أن نحتفل بهذا الهدوء المثالي كأننا في أحد البلدان الاسكندينافية التي وصلت حقوق الإنسان فيها الى ذروتها… فلم يعد أمام الناس ما يستثيرهم، حتى السجون أقفلت في معظمها، وما لم يُقفل منها بات بمثابة فنادق بنجوم غير قليلة… لذلك يسجل الناس هناك أعلى نسبة إنتحار في العالم. أما نحن فينحروننا كل يوم.
مَن لم ينحره قاتل نزق يرهسه سائق أرعن. أو تقتله رصاصة طائشة، أو يصرعه تسمّم في الغذاء… وبالتالي فإنّ صخرة الروشة بريئة من دم هؤلاء الصدّيقين.
ومن لم يقتل مادياً قُتل معنوياً: فلا إقتصاد ولا سياسة فعلية في آن معاً. وبالتالي هناك هجرة هائلة تستنزف هذا الوطن الصغير المعذّب بأهم ما فيه: بطاقاته الشابة، وبكفاءاته ومهاراته… فإذا بهم يفيدون الأقربين والأبعدين، أما وطنهم، فمحروم من عطاءاتهم!
ثم يأتيك الفراغ الرئاسي المتلازم مع صيام مجلس النواب عن إقرار القوانين، وطبعاً عن عقد الجلسات سيان بين ما كانت جلسات إنتخابية أو جلسات تشريعية أو جلسات رقابية. وفي التقدير والمعلومات إن هذا المجلس الذي مدّد لذاته مرتين يمكنه أن يدخل موسوعة »غينيس« للأرقام القياسية وأن يتربع فيها من دون أن يخشى أي منافسة من الآن، الى أبد الآبدين، باعتباره المجلس الأقل إنتاجاً في العالم.
ويأتيك مجلس الوزراء فتتساءل مع رئيسه عمّا إذا كان وضعه سيستمر طويلاً وهو المتهم من اعضائه (في ما بينهم) ومن رئيسه بالذات بالفشل وحتى بالسوء وأيضاً بالفساد.
في هكذا حال يكون هذا الهدوء مريباً. ويكون خطراً. بل ويكون مأساوياً… لأنه نوع من التواطؤ المقصود أو غير المقصود… ولكنه في النتيجة تواطؤ!
فحتّام سيبقى هذا الوضع قائماً فيما المصير على المحك بكل ما للكلمة من معنى. المصير الأمني (على المستوى الكبير)، والمصير السياسي، والمصير الكياني، والمصير المالي… وكلها مصائر يربط بينها خيط واحد لم يعد رفيعاً: إنه خيط الإرتهان الى الخارج الذي يحوّل القوم الى أفراد وجماعات مربوطين بالخارج ربطاً محكماً لا فكاك منه… لأنه مدفوع الثمن سابقاً وربما لاحقاً أيضاً.
وتتراكم الأخطاء، وقل الخطايا: فلا من يحاسب، ولا من يقول للمرتكبين ما أحلى الكحل في عيونكم وإن كان بعضهم زوّر الكحل فأسماه »التكحّل« الذي هو بشكل الكحل إنما طبيعي يخلق مع الإنسان، ويصح فيه قول شاعر العرب الأكبر، المتنبي:
»ليس التكَحُّل في العينين كالكَحَل«.
صحيح قول أبي الطيّب… ولكن الكحل مزوّر، والكَحَل لم يعد الله يمن به، إلاّ نادراً جداً، على البني آدميين. والجماعة عندنا يحبون الكحل والكَحَل الى حدّ… العمى!