IMLebanon

حزب الله لم يبدل موقفه «الرئاسي» فما هي اسباب «هلع» السنيورة؟

حالة «الانفصام» بين وفد تيار المستقبل الى الحوار مع حزب الله وبين بيانات التكتل «الازرق»برئاسة رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة، باتت تحتاج الى الكثير من التمعن في ابعادها ودلالاتها، بعد ان باتت «اللعبة» مكشوفة ومفضوحة لجهة اصرار السنيورة على تعكير الاجواء وضرب المناخات الايجابية التي تلي كل جلسة حوارية، وهذه المسؤولية تقع برأي اوساط قيادية بارزة في 8آذار على عاتق الرئيس سعد الحريري المطالب بموقف حاسم وواضح يزيل هذه الالتباسات، من خلال اقناع «صقور» تياره بضرورة «التواضع» والتعامل مع المعطيات بواقعية. خصوصا ان التصعيد الاخير ليس مبررا، فانتقادات الكتلة لتصريحات رئيس المجلس السياسي في حزب الله السيد ابراهيم امين السيد غير مفهومة، فهو لم يخرج بموقفه حول الانتخابات الرئاسية عن ثوابت قيادة الحزب التي عبر عنها صراحة السيد حسن نصرالله في خطاباتها العلنية، كما لم يتزحزح وفد حزب الله الحواري عن هذه الثوابت خلال المناقشات التي لامست ملف الانتخابات الرئاسية، «الرابية» تبقى العنوان الوحيد القادر على حسم «الطريق» الى بعبدا، ونقطة على اول السطر. اذا لماذا المشاغبة على موقف الحزب الرئاسي؟ ولماذا الايحاء بان الحزب قد تراجع عن تعهدات لم يقدمها اصلا؟

الاجابة عن تلك الاسئلة لا تحتاج الى الكثير من التفكير، في ظل هذا التزامن المبرمج بين تصعيد كتلة المستقبل واتهامات رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع لايران بعرقلة الانتخابات الرئاسية عبر تمسكها بمرشح وحيد دون سواه، انه «الهلع» من تقدم ايران على مختلف الجبهات، والخوف من التداعيات، ولا شيء غير ذلك، ولكن هل هذا الهلع مبرر؟ الجواب برأي اوساط ديبلوماسية في بيروت، هو «نعم»، فايران منذ ان شن صدام حسين حربه المدعومة من قبل دول الخليج والغرب لوأد الثورة الوليدة، ومنذ ان بدات «الغزوة» الخليجية الغربية لضرب حلفائها في سوريا والعراق بعد فشل الحرب الاسرائيلية على حزب الله، انتقلت لاول مرة الى مرحلة الهجوم الميداني على كافة الجبهات، فلم يعد وجود الحرس الثوري في العراق وسوريا سرا، وباتت صور قائد فيلق القدس قاسم سليماني تتصدر المشهد، والسعودية تشعر بانها محاصرة باتفاق نووي ايراني- اميركي يقيد نفوذها الاستراتيجي، وبنشاط ايراني محموم في عموم المنطقة، فإيران الآن في حالة هجوم لا مثيل لها منذ انتصار الثورة، حيث تقاتل مباشرة في سوريا والعراق، وتنشط في غزة واليمن والبحرين، ولها نفوذ في السودان. هذه الاندفاعة الايرانية فرضت على السعودية الانتقال من حالة الهجوم الى حالة الدفاع عن مناطق نفوذها الحيوية. وما يقلق «خصوم» طهران ان مايحصل تجربة جديدة غير مسبوقة في الاستراتيجية الايرانية، فطهران منذ الثمانينات تتبنى دعم «حركات التحرر» في المنطقة، دون اي تدخل مباشر، وكانت طهران تتبنى نظرية تعليم حلفائها «الصيد» بدل «شراء السمك»، لكنها اليوم ابتكرت استراتيجية جديدة تقوم على تعليمهم كيفية الصيد مع رفدهم «بصيادين مهرة» لزيادة الغلة، وهذا تحول غير مسبوق سيكون له تداعيات كبيرة على خريطة التحالفات والنفوذ في المنطقة والعالم.

هذه المخاوف دفعت الاوساط في 8 آذارالى المقارنة «الموضوعية» بين مواقف رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو ورئيس الحكومة اللبنانية الاسبق فؤاد السنيورة! وقالت ان هذا الربط غير مرتبط «بفحص الدم» الذي يرفض دائما رئيس كتلة المستقبل النيابية الخضوع له، وليس من باب التشكيك «بوطنية» الرجل، وانما شاءت الصدفة الزمنية والعداء المشترك لايران، بان يجعلا مقاربة الموقفين ضرورية لشرح حالة الضيق والحرج اللذان يشعران به بعد خروج «اوراق اللعبة» من بين يديهما.

وبحسب تلك الاوساط، فان نتانياهو ذهب الى واشنطن وخطب امام الكونغرس لمنع ادارة الرئيس باراك اوباما من ابرام الاتفاق النووي مع ايران، فيما وزير الخارجية الاميركي جون كيري يتفاوض في جنيف مع نظيره الايراني محمد جواد ظريف على ما تبقى من تفاصيل لابرام الاتفاق. وفي بيروت «يشاغب» السنيورة عبر بيانات «نارية» لاجتماع كتلته النيابية فيما يتفاوض وفد المستقبل مع حزب الله في عين التينة ويضعون اللمسات الاخيرة على تفاهمات «واقعية» انتجت وتنتج استقرارا امنيا داخليا. نتانياهو هناك يحاول افشال الاتفاق ويعرف انه لا يملك القدرة على ذلك، والسنيورة يدرك كذلك انه لا يملك قرار نسف الحوار، لكن هذا الامر لا يمنعه من الاستمرار في المحاولة علّ محاولاته تنجح في استمالة موقف سعودي يوقف ما يعتبره «تنازلات» مفرطة امام حزب الله. وهذه «الاستراتيجية» يعتمدها ايضا رئيس حكومة العدو الذي يأمل ان يخترق»صراخه العالي» جدران الكونغرس الاميركي لوقف ما يعتبره «جنون» اوباما «وغرامه» المفرط بايران.

اما اهم ما يمكن ان تتقاطع عليه مواقف الرجلين فهي انعدام الخيارات البديلة، فالادارة الاميركية وجهت سؤالاً بديهيا لنتانياهو عن خطته البديلة لاحتواء ايران النووية، طبعا لا يملك اي جواب. وكذلك لا يملك السنيورة اي استراتيجية بديلة عن الحوار مع حزب الله، ولذلك فان تصنيف كلامهما بالتكرار الممل، يعد اكثر التوصيفات دقة وتعبيرا واقعيا عن عدم قدرة الرجلين على احداث تغييرات على ارض الواقع.

رغم ذلك فان للسنيورة ومن معه من حلفاء اقليميين غير قادرين على «هضم» المشهد، فرئيس «الكتلة الزرقاء» يدرك جيدا ان وفد حزب الله المفاوض يجلس يحاور في عين التينة على تأمين الاستقرار الداخلي، فيما قيادته العسكرية تعد لمعركة الربيع في جرود القلمون، كما ان مقاتليه يقفون قبالة تل «الحارة»الاستراتيجي ويرونه بالعين المجردة من بلدة حمريت الفاصلة بين ريف القنيطرة وريف درعا، وقريبا سيتوجهون نحو هذا التل برفقة جنود الجيش السوري لاستعادته من مقاتلي «جبهة النصرة»، وهو يعرف ان جبهة درعا على موعد مع «أم المعارك»، كما هي الحال على جبهة ريف حلب. وهذا سيقلب المشهد السوري وسيكون له انعكاسات هائلة على الساحة اللبنانية، وهو في الوقت نفسه غير قادر على استيعاب استمرار هذا الحوار الداخلي مع الحزب دون التمكن من تحقيق «ارباح» تكتيكية، فيما تتراكم الخسائر الاستراتيجية، وثمة سؤال طرحه ويردده دائما على مسامع الفريق المؤيد للحوار مع الحزب عما اذا كان هؤلاء يظنون ان طهران التي تظن انها تحقق التقدم في معاركها الرئيسية في المنطقة ستتراجع «تكتيكيا» في بيروت للتفاوض على رئيس وسطي، وهي تعتقد ان التطورات والاحداث في المقبل من الايام ستزيد من فرص وصول من تريد الى قصر بعبدا؟ طبعا لا. هذا الجواب يعرفه جيدا السنيورة، وتعرفه قيادات تيار المستقبل بمختلف درجات «تطرفها»، لكن هل من خيارات بديلة؟ حتى الان لا يوجد بدائل، لبنان خارج سياق الاهتمام الدولي، «والمستقبل» لا يملك سوى خيار الانتظار في ظل قلق جدي من احتمال ان تكون التسوية النووية على حساب نفوذ حلفائهم الاقليميين، في ظل مؤشرات على تسليم اميركي وغربي بالنفوذ الايراني في لبنان، وتفهم لدور حزب الله في مكافحة الارهاب بدا يلامس حدود البحث عن سبل للتعاون المشترك في هذه الحرب المفتوحة. وامام هذه المعطيات هل ثمة ضرورة للبحث عن اجابات حول اسباب التوتر السائدة لدى فريق 14آذار، او عن اسباب شعور الجنرال ميشال عون بالارتياح؟