فجأة عاد ملف الرئاسة اللبنانية الى واجهة الاهتمام اللبناني، حاجبا الازمات التي تغرق فيها البلاد، حيث يرى الكثيرون ان الازمة الحكومية دخلت مرحلة جديدة عنوانها هذه المرة المعركة الرئاسية، في حرب «عض اصابع»، افتتحت باستقبالات باريس والرياض، التي حملت دلالات ورسائل واضحة للداخل اللبناني، تزامنا مع التطورات الدراماتيكية على اكثر من جبهة مشتعلة.
ومع ان مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق النووي تبدو حبلى بالتطورات من اليمن الى سوريا حيث ترتسم ملامح تغييرات على الارض، فان الانفراجات العملية المرتقبة في ما يتصل بالساحة اللبنانية معلقة حاليا بحسب مصادر متابعة، على حبال اعادة فتح القنوات السعودية- الايرانية، البالغة التعقيد حاليا، الا في حال نجاح طرف ثالث في تأمين وظيفة الـ «س-أ»،وهو ما تحاول فرنسا لعبه حاليا، محاولة «الربط» بين الانفتاح الاوروبي الاقتصادي على ايران وحلحلة الازمات الداخلية اللبنانية وفي مقدمها رئاسة الجمهورية.
انطلاقا من ذلك ترى مصادر دبلوماسية ان المقاربة الفرنسية تنطلق من واقعية الحاجة الايرانية الملحة الى اوروبا حاليا كبوابة لها للعودة الى الساحة الدولية وفك عزلتها، في ظل التشدد الاميركي المرتقب خلال الفترة المقبلة نتيجة الظروف الاميركية الداخلية، سواء لجهة اقتراب موعد الانتخابات التمهيدية الاميركية او الضغوط التي سيمارسها الكونغرس، ناهيك عن تلك الخارجية نتيجة المصالح الاستراتيجية المتضررة للرياض وتل ابيب.
من هنا تشكل زيارة وزير خارجيتها لوران فابيوس الى طهران على رأس وفد من كبار معاونيه السياسيين، يتقدمهم جيرو بونافون المعين حديثا كمدير لدائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في الخارجية خلفا لجان فرنسوا جيرو، والمكلف حاليا متابعة الملف اللبناني من ضمن مبادرة فرنسية منسقة مع الفاتيكان والولايات المتحدة الاميركية. وبحسب المصادر الدبلوماسية فان الوفد الفرنسي سيطرح مع المسؤولين الايرانيين ملفات المنطقة الساخنة وتحديد جدول بالاولويات الواجب معالجتها على ان يدرج ملف الاستحقاق الرئاسي اللبناني من ضمنها، بحسب ما تبلغ النائب وليد جنبلاط من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي وصف زيارة فابيوس بانها «جس نبض اوروبي للنيات الايرانية بعد توقيع الاتفاق النووي».
ووفق ما تنقل مصادر لبنانية فان فابيوس في حال لقي تجاوبا ايرانيا، سيعمد الى طرح ثلاثة اسماء، تم اختيارها من سلة ضمت سبعة اسماء، بين العواصم المعنية في اطار معادلة رسمت تقضي بان تكون التسمية سعودية-غربية على ان تكون الموافقة ايرانية، وهو ما عبر عنه رئيس الحكومة في حديثه الصحافي الاخير بطريقة او باخرى،وما حاول البطريرك الماروني التنبيه منه في دعوته للمرة الاولى للبحث عن رئيس «حيادي جامع»، ما اثار حفيظة بعض القوى السياسية التي رأت فيه ملامح تسويات على حسابها ودفعها الى التشدد في مواقفها.
ورات المصادر ان الملف اللبناني سيشكل نقطة اختبار للنوايا الايرانية ومدى رغبة طهران في التعاون لحل مشاكل المنطقة، وتوجيه رسائل ودية الى المملكة العربية السعودية بوصفها المعني الاول بالتطورات في كل سوريا العراق واليمن، ولبنان الذي احتل ملفه جزءاً من النقاش الذي دار بين الادارة الاميركية ووزير خارجية المملكة خلال الزيارة الاخيرة له الى واشنطن من حهة، واستقبال القيادة السعودية لرئيس حزب القوات اللبنانية بوصفه مرشح قوى الرابع عشر من آذار لرئاسة الجمهورية.
ايجابية هذا الحراك الخارجي المستجد، رافقها في الداخل عدم تفاؤل بحلول وشيكة للأزمة السياسية المتصاعدة، انطلاقا من ان الحكومة دخلت عملياً في مرحلة الموت السريري وسط حرص على عدم إعلان وفاتها، بحسب اوساط في 14 آذار، لافتة الى ان حزب الله الراغب في الحفاظ على الاستقرار في لبنان انطلاقاً من انشغاله بالحرب في سورية والعراق سيمضي في سياسة تعليق الدولة واستحقاقاتها ريثما تحين لحظة توظيف اي تسوية لمصلحة إحداث تعديلات في النظام اللبناني تصب في مشروعه في إطار منظومة النفوذ الايراني الجديدة، مستنتجة بأن لا أفق في المدى المنظور لأي حِراك داخلي او خارجي من شأنه كسْر المأزق الرئاسي، معتبرة ان الجهود ستبقى منصبّة على ضبط ايقاع الأزمة الحكومية بما يحول دون انفلاشها خارج الحدود المرسومة لها، وإن كانت لا تُسقِط من الحساب إمكان حدوث مفاجآت سلبية امنية وسياسية.
لا شك ان الاحداث المتسارعة في المنطقة تفرض ايقاعها على تطور الملفات اللبنانية، سواء لجهة الانفراج او التعقيد، رغم ان الظاهر حتى الساعة يميل الى الفرضية الثانية.امر سمعه اكثر من مسؤول في الخارج، حتى من اولئك الذين يفرطون في التفاؤل ضاربين مواعيد جديدة لاتمام الاستحقاقات وراسمين السيناريوهات المختلفة لها.