IMLebanon

تلفيق الحل في سورية

شكلت اعتداءات باريس الإرهابية فرصة إضافية للدول الكبرى التي تضغط في اتجاه تلفيق حل في سورية يتجاوز كل الشعارات التي رفعت في السابق، ويجبر المعارضة على القبول بما يعرض عليها، ويتجاهل المسببات الفعلية للحرب الأهلية ودور نظام بشار الأسد في إطلاق دورة العنف المستمرة منذ قرابة خمس سنوات، ويتغافل عن العدد الكبير من الضحايا الذين سقطوا نتيجة رفض النظام وداعميه أي تغيير ولو طفيفاً في تركيبته.

وفي سياق هذا التوجه، ظهر التنسيق واضحاً بين الموقفين الروسي والأميركي خلال قمة «مجموعة العشرين» في تركيا، ففي حين شدد الروس على ضرورة ان تتخلى فرنسا عن تمسكها بإزاحة الأسد بعد «غزوة باريس»، تولى الأميركيون الضغط على «الائتلاف الوطني» السوري لعقد مؤتمر يتخذ قراراً بالتفاوض مع النظام وفق خريطة الطريق الغامضة التي رسمها اجتماع فيينا الأخير، والتي تحتمل أكثر من تأويل.

وبدا موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في انطاليا امتداداً بغيضاً للشماتة التي أظهرها الأسد بتحميله فرنسا المسؤولية عن «تمدد الارهاب»، عندما قال ان تشددها في اعتبار رحيل الرئيس السوري شرطاً مسبقاً لأي تغييرات سياسية في سورية «لم يحمها من الإرهاب»، وكأنه يقول إن اعتداءات باريس شكلت عقاباً ضمنياً للموقف الفرنسي المتمسك بـ «أمور ثانوية».

وسانده في موقفه أوباما الذي تحدث عن زيادة التنسيق والتعاون بين الولايات المتحدة وفرنسا في مواجهة «الدولة الاسلامية»، في تلميح الى ضرورة «تصويب» الموقف الفرنسي من الأولويات في سورية.

وأثمرت هذه الضغوط، مضافاً اليها فداحة حصيلة الاعتداءات، بداية تغيير عبر عنه الرئيس الفرنسي الذي قال ان «الأسد لا يمكن ان يكون حلاً، لكن عدونا في سورية هو داعش».

غير ان المواجهة مع تنظيم «أبو بكر البغدادي» تظل مجرد ذريعة اميركية واهية لتبرير النأي بالنفس عن الإسهام في تغيير فعلي في سورية. فالحملة الجوية التي يشنها تحالف بقيادة الولايات المتحدة لم تؤدّ الى وقف تمدد التنظيم الارهابي على الارض في سورية والعراق، ولا الى وقف عملياته التخريبية في العالم، او تقليل خطره الماثل على العواصم والدول، او حتى استعراضاته الإعلامية.

كما ان الإحاطات التي قدمها معظم المسؤولين الاميركيين أفادت بأن القضاء على «داعش» قد يستغرق عقداً أو أكثر، في ظل رفض واشنطن والدول الغربية عموماً نشر قوات على الأرض، وهو رفض كرره أوباما قبل يومين فقط معتبراً ان المواجهة مع «داعش» مختلفة ولا يمكن ان تتم بالمفاهيم العسكرية التقليدية.

أما الضغط الأميركي على أنقره لإغلاق الحدود التركية مع سورية في شكل كامل، فيهدف الى مجرد تقييد حركة تهريب ارهابيي «داعش» في اتجاه اوروبا، بعدما تجاوز التنظيم في اعتداءات باريس «خطوطاً حمراً» ربما أحرجت واشنطن التي تعتبر أن معالجة مشكلته من مسؤولية دول المنطقة، داعية أياها الى إرسال قوات برية لمحاربته.

ولهذا ليس مفهوماً كثيراً لماذا الإصرار الشديد الآن على ان «لا صوت يعلو» فوق صوت الحرب على الإرهاب، إلا إذا كان الهدف تمرير تسوية في سورية على حساب السوريين ومعارضتهم، تسقط من حسابها الثمن الباهظ الذي دفعوه لمجرد رغبتهم في أن تنطبق عليهم بديهيات حقوق الإنسان.

والخوف الكبير هو أن ما بدأ بالتراجع التدريجي عن المطالبة برحيل بشار الأسد قد ينتهي بالتخلي عن اي تغيير فعلي في النظام، ودائماً بحجة أولوية محاربة «داعش».