… وغداً إختبار جديد، لعله الأقسى منذ بدء الحِراك في منتصف الشهر الماضي.
لماذا هو الأقسى؟
لأنه الإختبار الأول المباشر بين الرئيس نبيه بري وحركات المجتمع المدني. قبل ذلك كان الحراك في اتجاه السراي أو في اتجاه وزارة البيئة، الحراك غداً في اتجاه مجلس النواب، ما يجعله على تماسٍ مباشر مع رئيس المجلس.
إنَّها المواجهة بين من سيفترشون الأرض في اتجاه ساحة النجمة وبين مَن سيفترشون طاولة الحوار، والفرق بين الطرفين أنَّ الجالسين حول طاولة الحوار إختبروها على مدى عقدٍ من الزمن، فأصبحت استطراداً غير مطابقة، فيما الحراك المدني ما زال في أَطواره الأولى ومن المبكر الحديث عن أنّه مطابق أو غير مطابق.
عملية التحمية في مواجهة الرئيس بري بدأت في مناطق نفوذه حيث نفَّذ الحراك المدني اعتصاماً في صور، كما وصل الحِراك إلى جديدة مرجعيون، وليس من باب المصادفة أنَّ الحراك بلغ النبطية التي رُفِع فيها شعار مدينة فتى الكهرباء بلا كهرباء، في إشارة إلى العالِم حسن كامل الصباح.
هذا الحِراك في اتجاه الجنوب وفي قلب الجنوب، يُعتبر تحدياً للرئيس بري في عقر داره، وهكذا سيمتد التحدي من الجنوب وصولاً إلى ساحة النجمة.
أما الحِراك المدني فإنه، على ما يبدو، بدأ يوسِّع سلَّة خياراته بحيث يُربِك السلطة السياسية، فهو اليوم سيعتصم أمام مؤسسة كهرباء لبنان، في تعبير عن قُصور السلطة السياسية عن معالجة معضلة الكهرباء التي امتصت أكثر من عشرين مليار دولار من دون أيِّ نتيجةٍ تُذكَر.
في مطلق الأحوال فإنَّ أجندة الحراك المدني ليست مستحيلة، وإن كانت غير واقعية في بعضها وتحتاج إلى مناقشة في بعضها الآخر، فهي تبدأ بإعادة صلاحية البلديات في معالجة النفايات وفق خطط متوافقة مع المعايير البيئية، هذا البند بحاجةٍ إلى مناقشة لأنَّ معظم بلديات لبنان لا تمتلك أيَّ أهلية للقيام بهذه المهمة. هذا الواقع تعززه التجربة غير المشجعة لبعض البلديات، وهذا ما حذّر منه دولة نائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس الذي تولّى رئاسة أكبر عدد من اللجان الوزارية في تاريخ لبنان، وله باع طويلة في معرفة أحوال البلديات، ومن هنا يأتي كلامه عن خبرة موثوقة.
وهو اعتبر ان الحديث عن شطب ديون البلديات التي كانت تستفيد من تقديمات سوكلين من دون مراعاة حقوق البلديات والقرى الأخرى والتي بمعظمها فقيرة وصغيرة وفي مناطق نائية، انما يمثل سطواً ممنهجاً على جزء من أموال مستحقة التوزيع على البلديات، ونحذر من اساءة استعمال أموال الصندوق البلدي.
البند الثاني ليس مستحيلاً وهو يتعلق بتحرير موارد البلديات في الصندوق البلدي المستقل ووزارة الإتصالات، وهذا البند سائر في الإتجاه الصحيح خصوصاً أنَّ وزير الإتصالات بطرس حرب يقوم بهذه المهمة على أحسن وجه. تبقى قضية عدم تحويل أي منطقة إلى مكب للمناطق الأخرى. هذا بندٌ بحاجةٍ إلى نقاش، خصوصاً أنَّ هناك مناطق لا نطاق جغرافياً لها، فكيف لمثل هذه المناطق أن تعالج نفاياتها؟
ولكن ماذا عن الملفات السياسية وإمكان فرزها عن الملفات البيئية؟
يبدو أنَّ التباين كبير والهوة واسعة، فتيار المستقبل وحلفاؤه يعتبرون أنَّ الإنطلاقة الصحيحة تكون في التفاهم على إجراء الإنتخابات الرئاسية أولاً، في المقابل فإنَّ العماد ميشال عون وحلفاءه يعتبرون أنَّ الآلية تكون في إحتمالين:
إما إنتخاب رئيس من الشعب، وإما الأولوية لإقرار قانون جديد للإنتخابات النيابية، يُنتج مجلساً نيابياً يتولى انتخاب رئيس.
بين المنطقين، تستمرُّ الهوة واسعة من دون أيِّ أملٍ بتضييقها.