IMLebanon

مواجهة «التفتيش» و«المناقصات»: محاولة لإسقاط مؤسسات الرقابة

 

أرسل المدير العام لإدارة المناقصات، جان العلية، كتاباً إلى وزير الإعلام يطلب فيه إعادة نشر بيانه الذي نشر في الوكالة الوطنية للإعلام أول من أمس وحذف كأنه لم يصدر، عملاً بقانون حق الوصول إلى المعلومات. السؤال الذي طفا على السطح على خلفية المواجهة مع رئاسة التفتيش المركزي: «هل لرئاسة التفتيش سلطة رئاسية على إدارة المناقصات؟»

 

السجال بين رئاسة التفتيش المركزي وإدارة المناقصات على خلفية المضايقات التي تتعرض لها الأخيرة فتح باب النقاش في شأن ما إذا كانت هناك فعلاً سلطة من الرئاسة على الإدارة وإذا كان الإثنان بمثابة الرئيس والمرؤوس في العمل أم أنهما إدارتان متوازيتان لا سيما في غياب النص القانوني الصريح.

في مسار متابعة التطورات، أرسل المدير العام لإدارة المناقصات جان العليّة كتاباً إلى وزير الإعلام ملحم رياشي، أمس، يطلب فيه إعادة نشر بيانه الذي حذف وكأنه لم يصدر، ونشر الكتاب الخطي لرئيس إدارة التفتيش المركزي القاضي جورج عطية الذي طلب فيه من الوكالة حذف البيان أيضاً، عملاً بقانون حق الوصول إلى المعلومات.

 

وثيقة

 

 

العليّة ردّ، في اتصال مع «الأخبار» على ما سماه «الأضاليل» والتعتيم على الرأي العام، باعتبار أنّ البيان الذي أرسله إلى الوكالة، ونشر ثم حذف، لم يكن حديثاً صحافياً بل «كنت أمارس صلاحياتي التي أعطاني إياها القانون بتأجيل جلسات فض العروض، وهي صلاحيات يمارسها رئيس دائرة المناقصات منذ العام 1959، وكل ما أضفته هو تعليل الأسباب الواقعية والقانونية للتأجيل، عملاً بالمادة 12 من قانون حق الوصول إلى المعلومات، وإذا كان رئيس إدارة التفتيش غير موافق على التعليل، يستطيع أن يلاحقني حول التعليل نفسه، ولكن لا يحق له بأي شكل من الأشكال، صرف النفوذ لحذف البيان، باعتبار أنّه لو لم يكن رئيس التفتيش من طلب هذا الحذف هل كان سيحذف؟ وإذا كان ما فعلته أنا مخالفة فلأحاسب على المخالفة».

العليّة رأى أن إدارة العمل و«لعبة الغميضة» تحبط الناس وتضعف الثقة بدولتهم وبأجهزتها الرقابية. وأشار إلى أنّ تطبيق نظرية «رئيس ومرؤوس» على إدارة المناقصات هي «معادلة لوضع اليد على الإدارة وإخضاعها للسلطة السياسية، ونغمة مرفوضة هدفها التعطيل وإسقاط مبرر وجود المؤسسات الرقابية»، لافتاً إلى أنّه سبق أن أثار وجهة نظره هذه داخل لجنة الإدارة والعدل النيابية.

في المقابل، انطلق القاضي عطية في مقاربته للقضية من أنّه رئيس كل المديرين في الإدارات والمصالح ولا يريد أن يتحدث عن أمور تتعلق بالعلاقة بينه وبين مرؤوسيه في الإعلام، كما قال لـ«الأخبار». ووافق رئيس ديوان المحاسبة القاضي أحمد حمدان على هذه المعادلة بالقول إن «إدارة المناقصات هي مديرية من المديريات ورئيس التفتيش هو رئيسها الأعلى وتخضع له بحسب التراتبية».

إلاّ أنّ أستاذ القانون الإداري في الجامعة اللبنانية، عصام اسماعيل، رأى أن ادعاء أي شخص سلطة عليا على زملائه تحتاج إلى نص قانوني صريح، وهذا غير منطبق على رئاسة إدارة التفتيش وإدارة المناقصات. فالأولى لا تملك حق التدخل في عمل الثانية أو إلغاء قراراتها أو إعطاءها أوامر وتوجيهات، وبالتالي ليس لديها سلطة رئاسية عليها وهي سلطة تأديب وتوجيه. وأشار اسماعيل الى «مفاهيم خاطئة» تسود العلاقة بين الإدارات العامة، أو بين الوزير وسلطة الوصاية، إذ «يعتقد الوزير أنّ المدير العام للمؤسسة العامة أو رئيس مجلس إدارتها تابع له أو مرؤوس من عنده، كذلك الأمر في الإدارات العامة الشبيهة والتي تتألف من أكثر من مديرية عامة، فيعتقد أحدهم أنه رئيس لزملائه وهو أمر غير صحيح. فعندما تتكون هيكلية إدارية معينة مؤلفة من عدة مديريات عامة، ولم يشأ المشترع أن يجعل على رأسهم وزيراً أو يمنح أحدهم سلطة تفوق سلطة الآخرين، ففي هذه الحالة لا يمكن القول إنّ أحدهم هو رئيس للآخرين، والسبب أنّ الاختصاص لا يستنتج ولا يستدل عليه من التطبيق إنما يحتاج إلى نص. ولولا أنّ المادة 66 من الدستور تنص على أن الوزير رأس الإدارة لكانت هناك اشكالية حول ما إذا كان الوزير رئيساً للمدير العام، فهو لا يملك سلطة على العاملين في الإدارة لمجرد أنه وزير وبغياب النص القانوني».

 

صلة مكانية لا تسلسلية

أعد أستاذ القانون الإداري في الجامعة اللبنانية عصام اسماعيل مطالعة قانونية حول نظرية الرئيس والمرؤوس بين رئاسة إدارة التفتيش وإدارة المناقصات جاء فيها: «أنشئ التفتيش المركزي بموجب المرسوم الاشتراعي الرقم 115 بتاريخ 12/6/1959، وكان يتألف من إدارتين هما إدارة التفتيش المركزي وإدارة الأبحاث والتوجيه. ولما صدر مرسوم تنظيم التفتيش أدخل إدارة المناقصات ضمن هيكلية التفتيش المركزي. وهذا خلافاً لأحكام المادة 2 من المرسوم الاشتراعي رقم 11 بتاريخ 12/6/1959 التي تنص على أن تنشأ المديريات العامة بقانون، أي عملياً فإنّ إدارة المناقصات منشأة بغير الأداة القانونية المناسبة».

لا سلطة لموظف على آخر في إدارته إلا بوجود نص قانوني صريح

 

ويضيف: «إذا دققنا بمرسوم تنظيم التفتيش المركزي نلاحظ أنه نص على أن يتألف من: الهيئة، الديوان، إدارة التفتيش المركزي، إدارة الأبحاث والتوجيه وإدارة المناقصات. ثم لاحقاً فصلت إدارة الأبحاث والتوجيه وألحقت بمجلس الخدمة المدنية. ولم نجد أي نص يدل على قوة أو هيمنة إدارة على أخرى بالقوة والصلاحية. وفي ما خص إدارة المناقصات فقد جاء في المادة 22 من هذا المرسوم أن تتولى الأعمال المتعلقة بالمناقصات وفقاً للأحكام القانونية والتنظيمية النافذة. ويرأسها موظف من الفئة الأولى ولما صدر نظام المناقصات، فإنه لم يصدر بناءً على اقتراح رئيس التفتيش أو رئيس مجلس الوزراء الذي ترتبط به إدارة التفتيش المركزي، بل بناء على اقتراح وزير المال، وما ذلك إلاّ للدلالة على أن لا صلة لإدارة التفتيش المركزي بإدارة المناقصات، بل هي صلة مكانية لا صلة رئاسية تسلسلية، وما يعزز ذلك أن القاضي جورج عطية عين بموجب المرسوم رقم 394 بتاريخ 28/3/2017 رئيساً لإدارة التفتيش المركزي. ولما كانت هذه الإدارة موازية لإدارة المناقصات فلا يجوز أن يمنح رئيسها سلطة أمرية أو سلطة تعطيل أو مراقبة أعمال إدارة المناقصات».