IMLebanon

حقائق حلبية

كبيرة جداً معركة حلب، لكن ضجيجها أكبر. وخطيرة جداً، لكن ميزانها أخطر من محاولات كسره قبل أوانه! ودموية جداً لكن خطوطها أكبر من قدرات المنخرطين فيها محلياً على تعديلها، أو محاولة فرض أمر واقع ميداني يسبق أو يتجاوز المسار السياسي أو التفاوضي الجاري فوقها.

حاول المحور الإيراني الأسدي التطاول على تلك المعطيات بعد إسقاطه طريق الكاستيلو لكنه لم يفشل فحسب، وإنما تلقى ضربة على نافوخه من خلال الهجوم المضاد الذي باشرته قوى المعارضة قبل أيام، والذي لا يزال مستمراً برغم تراجع زخمه الأول!

.. وتراجع ذلك الزخم لا يدلّ (والله أعلم) سوى على سريان المعطيات السابقة، على المعارضة مثلما سرت على المحور المقابل! وتأكيد(؟) لاستمرار تحكّم الأميركيين والروس، وليس غيرهما، بمسارات هذه النكبة في خطوطها العريضة.

وذلك لا يمنع من أن الحملة العسكرية للمعارضة ستستمر في اتجاه كسر الحصار عن مناطقها أو فرضه على مناطق المحور المقابل، بعد أن تخطت واحدة من أخطر محاولات تحطيمها وإنهائها.. وبعد أن أكدت مجدداً متانة جهوزيتها وحضورها وعدم تأثرها كثيراً بمستجدات الوضع الداخلي التركي، ولا بمعطيات «الحلف» الأميركي الإيراني القائم في العراق تحت شعار ضرب «داعش».

مظاهر التحكّم الخارجي الكبير بمجريات الوضع ما كانت لتتأكد لولا أن قوى المعارضة أظهرت شيئاً آخر غير الذي تظهره في حملتها الراهنة. ولولا أنها رفضت أن تُؤخذ بالضجيج الذي تلا الحصار. ولولا أنها واكبت بنجاح تنظيمي ميداني كبير ومميز الموقف الإقليمي الداعم لها والمؤثر حُكماً في مواقف الأميركيين لجهة لجمهم عن الاستطرادات الكبرى في مناوراتهم وسياساتهم ومواقف إدارتهم!

ما كان مقدّراً في الأساس أن تتخطى قوى المحور الإيراني الأسدي حدود الكاستيلو! وليس مقدّراً الآن أن تتخطى قوى المعارضة حدود كسر الحصار! وليس أدلّ على ذلك من مواقف الأميركيين قبل غيرهم: عندما لمسوا جموحاً روسياً مواكباً لجموح المهاجمين وخارقاً لسقف المفاوضات الجارية، لوّحوا مباشرة بإعادة تحريك جبهة الجنوب! بل وصل الأمر إلى حدود أن جون كيري، وزير الخارجية نفسه، حذّر الروس علناً من قصّة «الممرات الإنسانية» وما تستبطنه من نيّات شريرة (باتجاه إكمال الهجوم!) وأكد حرفياً أن ما يحصل يهدد بنسف كل التنسيق الحاصل بين الطرفين!.. ووفق القياس نفسه على الجانب الآخر، لا يحمل تراجع زخم الهجوم المعارض، سوى علامات خارجية وأميركية تحديداً!

قدّمت النكبة السورية وتقدّم شواهد كثيرة وغير مسبوقة على فظاعاتها ودمويتها. وعلى مدى توحّش المحور الممانع وصلافته وإيغاله في استرخاص دماء السوريين. وعدم توقفه، لا ضميرياً ولا إنسانياً ولا أخلاقياً عند أي معطى في سبيل مصالحه وتحكّمه ومشاريعه.. لكن هذه النكبة لم تخرج عن سياق الجذر القائل بأن كل حرب داخلية (أهلية) تتحوّل في يومها الثاني إلى حرب إقليمية دولية! وينتقل مركز القرار في شأنها من ضحاياها إلى ذلك الخارج!