IMLebanon

وقائع ومعلومات عن تفجيري برج البراجنة: جيل جديد من الرسائل

الساعة الواحدة والنصف ظهر يوم السبت الماضي، اقتحَمت قوّة من فرع المعلومات (نحو 60 عنصراً) شقّةً يقيم فيها إرهابيون على صِلة بعمليتَي التفجيرَين الانتحاريَين في برج البراجنة.

سَبق المداهمة اجتماع تنسيقي صغير حصل في مخيم برج البراجنة، حضَره، الى ضابط من فرع المعلومات، مسؤول امني من «حزب الله» وضابط من جهاز امن الجبهة الشعبية – القيادة العامة، باعتبار انّ الاخير هو الفصيل الفلسطيني الاقوى في المخيم.

بعد ذلك سَلكت قوّة الاقتحام طريقاً من داخل مخيم برج البراجنة الى الشقة الواقعة في حي لبناني يقع عند اطراف نهاية المخيم لجهة حي البعلبكية على طرف الجبانة (مقبرة). وشَكّلَ القرار بأن تتمّ مهاجمة الشقة من داخل المخيم وليس من مسلكِه الطبيعي الكائن في برج البراجنة، مفاجأةً للإرهابيين داخل الشقّة، وحقّق عنصر المباغتة المطلوبَ بالعادة لإنجاح مثل هذا النوع من العمليات الأمنية.

تقع الشقة البعيدة عن مكان التفجيرين الانتحارين مسافة 250 إلى 300 م، في الطابق الاوّل من مبنى مؤلّف من ثلاثة طبقات، وتتكوّن من غرفتين، صالون والثانية للنوم. زُوّدت الشقة بأثاث عادي، المميّز فيه هو «الفَرشات» الوفيرة التي وُجدت بداخلها، ما يؤشّر إلى أنّها كانت تُستخدم لإيواء أكبر عدد ممكن من الإرهابيين للمبيت فيها.

إقتحمت القوة المهاجمة الشقة بأسلوب خلعِ الباب، ما أدّى الى مباغتة ثلاثة نازحين سوريين كانوا موجودين بداخلها. ولم يُبدوا أيّة مقاومة، وتَمّ اقتيادهم بسلاسة الى خارجها. ولم تُسفِر عملية تفتيش الشقّة عن العثور على سلاح. وتمّ ضبط حاسوب إلكتروني (لابتوب) وأجهزة خلوي وأوراق لها صفة وثائق. وبدا الخوف ظاهراً على ملامح الارهابيين الثلاثة خلال عملية توقيفهم.

يعود تاريخ استئجار الارهابيين الثلاثة للشقة لستّة اشهر خلت. وبيّنَت التحقيقات الأوّلية انّها كانت تُستعمل كغرفة عمليات لتجنيد وإيواء إرهابيين – بينهم اللذان نَفّذا عملية برج البراجنة – وأيضاً لمراقبة مكان التفجير الارهابي الأخير.

ثلاث وقائع أمنية

ومن خلال معاينة مكان الشقّة، يمكن استنتاج ثلاث ملاحظات أمنية لافتة وأساسية:

الأولى، المنطقة التي تقع فيها الشقّة تُعتبر – وفق التصنيف العسكري – بأنها تشكّل «نقطة ضعف مفتوحة» بين المخيم ومنطقة برج البراجنة.

الثانية، تمتاز الشقة بأنّها لها إطلالتان اثنتان، الاولى على المقبرة باتّجاه طريق المطار حيث مستشفى الرسول الأعظم، والثانية على أحد شوارع المخيم الفرعية.

الملاحظة الثالثة تتعلق بأنّ المبنى الذي تقع فيه الشقة عينها، كان سبقَ لعناصر من جماعة الارهابي شاكر العبسي (فتح الاسلام) ان أقاموا في إحدى شققه، وذلك قبَيل بدء أحداث مخيم نهر البارد قبل عدّة سنوات. وحينَها قامت القيادة العامة بطردهم منها خوفاً من تمدّدِهم الى داخل المخيم وارتكابِهم عمليات تخريبية تُفضي لفِتنة بين فلسطينيي المخيم وجواره اللبناني ذي الغالبية الشيعية.

تُدلّل الملاحظات الثلاث الآنفة على انّ هذا المبنى ومجمل المنطقة الموجود فيها، هما بالأصل محلّ اهتمام قديم من قبل الجماعات الارهابية، وذلك لجهة استخدام المنطقة وبالذات المبنى المذكور كملاذ آمن يمكن من خلاله تنفيذ أجندات تخريب في الضاحية الجنوبية ومنطقة طريق المطار، أو جرّ البيئتين الشيعية اللبنانية والفلسطينية اللاجئة لفتنة دموية.

فتنة شيعية فلسطينية

لقد كان لافتاً لأوساط سياسية وأمنية، أنّ بيان تبَنّي داعش للعملية تقَصَّد الإعلانَ عن أنّ انتحاريَّي برج البراجنة هما فلسطينيان. وسرعان ما تبيّنَ أنّ المقصودَين هما إرهابيان قتِلا قبل نحو عامين خلال عملية الجيش اللبناني لإنهاء مربّع الشيخ أحمد أسير الامني في منطقة عبرا. وبدا واضحاً أنّ بيان داعش كان يريد توجيه ردود الفعل الشعبية على العملية باتّجاه إحداث فتنة بين المخيم الفلسطيني وجواره اللبناني الملاصِق به.

وتَجدر الإشارة الى أنّ سكان المبنى الذي تقع فيه شقّة خلية «داعش» في برج البراجنة، لا يوجد بينهم أيّ فلسطيني، وجميعُهم لبنانيون ونازحون سوريّون.

أرقام مقلِقة

الإشكالية التي تطرَح نفسها في هذا المجال، هي أنّه طالما إنّ منطقة شقّة الخلية الارهابية الواقعة بين مخيم برج البراجنة وجوارها اللبناني، تحفَل بمزايا أمنية معروفة، فلماذا لم يتمّ توجيه عناية أكبر على مستوى مراقبتها؟؟

الإجابة عن هذه الإشكالية تسلّط الضوء على الوضع المعقّد الذي يسود منطقة مخيم برج البراجنة نتيجة دخول عامل النازح السوري إليها. وبحسب مصدر أمني فلسطيني فإنّه خلال مرحلة ما قبلَ نشوب الأزمة السورية كان عدد سكّان لاجئي المخيم 23 ألف نسمة، أمّا اليوم فيبلغ عددهم 40 ألفاً.

أي بزيادة حدثَت في خلال السنوات الثلاث الاخيرة، تقدَّر بنحو 17 ألف نسمة، بينهم فقط ثلاثة آلاف نازح فلسطيني من سوريا، والباقون نازحون سوريون، واللافت أنّهم بغالبيتهم من أرياف سوريا الشمالية الساخنة: الرقّة وجسر الشغور وإدلب والحسكة وأقلّية من درعا.

ويضيف المصدر أنّه خلال فترة طفرة وصول النازحين السوريبن الى المخيّم، تحرّكَت هيئات المخيم المعنية لإجراء إحصاء للوافدين من سوريا، وطلبَت منهم تعبئة استمارات شخصية. ولكن نحو مئة عائلة نازحة رفضَت تعبئة هذه الاستمارات، فأُخرِجوا من المخيم، وهؤلاء هم الآن سكّان المنطقة التي تقع فيها الشقّة التي استخدمتها «داعش» غرفة عمليات لتفجيرَي برج البراجنة. وهي منطقة لبنانية تقع عند الحد اللصيق بالمخيم من جهة منطقة برج البراجنة اللبنانية.

تقدير موقف

داخل المستوى الأمني في لبنان يتمّ إخضاع عملية التفجيرين الانتحاريين في برج البراجنة، لنوعَين من التحليل لاستخراج الخلاصات بشأن دلالاتها:

المستوى الأوّل تِقني، ويتمّ في إطاره التوقّف عند تطوّر مستجدّ وخطِر يتعلق بأنه لأوّل مرة يتمّ استخدام (مادة السي فور c4 – ٢ كيلو سي فور تعادل 10 كلغ من تي ان تي ) المتفجّرة في الأحزمة الناسفة. فبالعادة تُستخدم هذه المادة في العبوات التي تَحملها سيارات وليس داخل أحزمة ناسفة يتزنّر بها أفراد يقصدون أهدافَهم مترَجّلين!!.

أمّا المستوى الثاني المصنّف بأنّه تحليلي مركّب، كونه يتضمّن إجراءَ تجميع للصورة الامنية والسياسية والتقنية لمجمل الحدث الارهابي، فهو يَطرح جملة أسئلة، أبرزها أنه منذ نحو 17 شهراً توقّفت موجة الضربات الارهابية في لبنان، والسؤال هو لماذا عادت الآن؟.

تقول إحدى الإجابات إنّ البنية اللوجستية والقيادية للإرهاب في لبنان كانت تعرّضت بعد موجة ضرباتها الاولى لنوعين من الضربات الموجعة جداً، الأولى أمنية نفّذتها الاجهزة الامنية اللبنانية وأفضَت إلى تفكيك مفاصلها وخلاياها وسِكك تمويلها، والثانية عسكرية نَفّذها «حزب الله» في القلمون وأسفرَت عن تدمير المشاغل التي كانت تفخّخ بها الجماعات الارهابية السيارات التي ترسلها إلى لبنان، وأيضاً جعلتها في حالة دفاع بدل أن تكون في حالة هجوم. وكلّ ذلك أدى الى انكفائها وتجميد عملياتها الإرهابية في لبنان، والاكتفاء بإعادة البناء بانتظار لحظة استعادة جهوزيتها، ويبدو أنّ هذه اللحظة نضَجت الآن.

ثمّة إجابة ثانية تفيد بأنه خلال الاشهر الـ 16 الماضية، لم يكن لبنان بمثابة الساحة الأنسب لتوَجّه منه الجماعات الارهابية رسائلَها السياسية. أمّا الآن فالوضع اصبَح مختلفاً نتيجة تطورات الوضع السوري بعد عاصفة السوخوي، حيث داعش اصبحَت معنية باستخدام ساحات الخارج من لبنان مروراً بمصر وصولاً إلى باريس. والهدف إيصال رسالة للعالم والمشاركين في قتالها، تفيد بأنّ الاتجاه الدولي الراهن لتصفيتها في سوريا والعراق، سيكون له نتائج كارثية على أمن كلّ العالم.

تلاحظ هذه المقولة أنّ عملية باريس جاءت بعد ايام من قيام الطائرات الفرنسية بقصف مصفاة نفط لداعش في سوريا، وعملية برج البراجنة جاءت بعد دور عسكري برّي مميّز لـ»حزب الله» في شمال سوريا يستفيد من غطاء سوخوي الجوّي.

واستتباعاً يركّز مطلِقو المقولة الآنفة على المعطيات التالية:

أوّلاً – لأوّل مرّة تتبنّى داعش عملية إرهابية في لبنان. في الماضي كانت النصرة وكتائب عبد الله عزام تفعل ذلك، أمّا داعش فكان يشار إليها بوصفها متورّطة.

الثاني – خلال فترة موجة التصعيد الارهابي الماضي ضد لبنان (2013 لغاية النصف الاوّل من 2014) ، كانت الجماعات الارهابية تتّسم بأنها في حالة صعود في الميدانَين السوري والعراقي، لذلك كانت ضرباتها عشوائية بشكل نسبي وكانت تحرَص على إيصال رسائلها السياسية بأكثر ممّا تحرَص على إيقاع ضحايا رغم اهتمامها بالأمر الأخير، أمّا في موجتها الراهنة المرشّحة بأنّها ستستمرّ، فإنّ عملياتها تتّسم – بحسب نموذج عملية برج البراجنة – بالاحترافية وابتداع تقنيات فتّاكة جديدة (السيفور داخل أحزمة الأفراد الناسفة).

وهي بذلك تريد إيصال رسالة تعويض أمنية عن هزائمها المستجدّة في الميدانين السوري والعراقي، وتضمين عملياتها رسائلَ رعب إلى البيئات المشاركة في القتال ضدّها وأيضاً إلى كلّ العالم.

الثالث – يلاحَظ من توقيت عملية برج البراجنة والاحترافية التي تَضمَّنتها، أنّ عاملاً جديداً دخلَ على بيئة القرار السياسي التي توَجّه العمليات الارهابية الحالية التي يبدو أنّ لبنان سيَشهد موجةً جديدة منها؛ فمَن هو هذا العامل؟؟.