الولايات المتحدة معركة سياسية – ديبلوماسية مع إيران تهدف، ظاهراً، الى الإتفاق على صيغة مناسبة، ضمن نطاق المفاوضات النووية، من أجل إنجاز تقارب تاريخي يطوي صفحة العداء الطويل بين البلدين ويؤدي الى تحسين العلاقات وتعزيزها في مجالات حيوية عدة. لكن الحقيقة ان هذه المعركة التي تقودها إدارة الرئيس باراك أوباما بالتفاهم مع الدول الغربية البارزة تهدف بصورة غير معلنة الى إلحاق هزيمة استراتيجية بالقيادة الإيرانية وإحباط خططها الرئيسية”. هكذا لخص لنا مسؤول أوروبي بارز معني بهذه القضية الموقف وقال إن الأميركيين وحلفاءهم الغربيين يريدون إلحاق هذه الهزيمة بالقيادة الإيرانية، مستخدمين في وقت واحد أسلوب الديبلوماسية الناعمة وسياسة الضغوط المكثفة، ويركزون على تحقيق الأهداف والمطالب الأساسية الآتية في المفاوضات معها:
أولاً – التمسك بضرورة أن تدفع القيادة الإيرانية ثمناً باهظاً في مقابل إنجاز الإتفاق المنشود وأن تتخذ قرارات قاسية مؤلمة وتقدم في المفاوضات مع مجموعة الدول الست أي أميركا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين والمانيا تنازلات جوهرية غير مسبوقة تجعلها تتخلى عن مكونات وعناصر برنامجها النووي التي تسمح لها بإنتاج السلاح النووي في مرحلة من المراحل.
ثانياً – إنهاء استقلالية البرنامج النووي المتطور لأن أي اتفاق نهائي مع مجموعة الدول الست يجب أن يشمل إخضاع كل المنشآت والمواقع النووية الإيرانية للرقابة الدولية المشددة واليومية ولزيارات مفاجئة لها ينفذها مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أجل ضمان الطابع السلمي للبرنامج النووي.
ثالثاً – إظهار عجز القيادة الإيرانية، على رغم مواقفها وتصريحاتها العلنية، عن فرض شروطها ومطالبها وخطوطها الحمر على الدول الغربية واضطرار طهران في النهاية الى الخضوع للإملاءات المشددة التي تريد أن تفرضها عليها الدول الست في مقابل توقيع اتفاق نووي نهائي.
رابعاً – إظهار عجز القيادة الإيرانية عن رفع العقوبات الأميركية – الأوروبية – الدولية البالغة القسوة المفروضة عليها فور توقيع الإتفاق النووي النهائي لأن الأميركيين وحلفاءهم الغربيين يتمسكون بضرورة رفع العقوبات تدريجاً من أجل التأكد من احترام إيران التزاماتها وتنفيذها تعهداتها في كل مرحلة من مراحل تطبيق الإتفاق، وهي عملية يمكن أن تستغرق سنوات.
وأضاف المسؤول الأوروبي “إن هذه المطالب والشروط، في حال رضوخ طهران لها، تضعف الدور الإقليمي لإيران وتمنعها من تحقيق طموحاتها القاضية بالإضطلاع بدور مهيمن في المنطقة وتظهر ان أميركا والدول الغربية خرجت منتصرة في هذه المفاوضات. وما يحرج الإيرانيين ان روسيا والصين غير قادرتين على منع أميركا من فرض هذه الشروط أو انهما غير راغبتين في ذلك لأنهما تعارضان أيضاً امتلاك إيران السلاح النووي”.
وتوقف المسؤول الأوروبي عند مسألة مهمة هي “ان إدارة أوباما ترفض أن تتصرف بمرونة وتقدم مع حلفائها تنازلات في المفاوضات من أجل تعزيز مواقع الرئيس حسن روحاني وأنصاره الراغبين في التفاهم والتعاون مع الغرب. وقد حرص مسؤول إيراني بارز على إبلاغ المسؤولين الأميركيين والفرنسيين أخيراً ان التيار الواقعي المنفتح على الغرب الذي يقوده روحاني سيكون في خطر وسيضعف كثيراً في الداخل إذا تمسكت الدول الغربية بمطالبها المتشددة التي ترفضها القيادة الإيرانية لأن ذلك سيؤدي الى فشل المفاوضات”. لكن المسؤول الأوروبي أضاف: “ان الأميركيين وحلفاءهم يتمسكون بهذه المطالب المتشددة ويرون انها ضرورية لأن امتلاك إيران السلاح النووي سيقلب موازين القوى في المنطقة لمصلحتها ويؤدي الى انتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط ويهدد المصالح الحيوية للدول العربية المعتدلة وللغرب ويدفع إسرائيل الى مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. وستضطر أميركا حينذاك الى مساندة إسرائيل وضمان الحماية لها”.
وخلص المسؤول الأوروبي الى القول: “الحقيقة ان مصير المفاوضات النووية الإيرانية – الدولية مرتبط بالموقف الأساسي الذي يتمسك به كل من الرئيس أوباما والمرشد علي خامنئي صاحب القرار في إيران. فأوباما يقود عملية التفاوض على أساس أن رفض توقيع اتفاق نووي نهائي مع إيران أفضل من توقيع اتفاق سيئ يسمح للإيرانيين بامتلاك القدرات التكنولوجية الضرورية لإنتاج السلاح النووي”. أما المرشد خامنئي فقد أعطى تعليمات واضحة للوفد الإيراني المفاوض مفادها ان رفض توقيع اتفاق نووي نهائي أفضل من الرضوخ للمطالب الغربية المتشددة وتقديم تنازلات جوهرية تضعف النظام الإيراني وتغير جذرياً تركيبة البرنامج النووي وتنتزع منه مكونات أساسية وتجعل الإيرانيين يواصلون الخضوع سنوات أخرى للعقوبات الدولية التي تلحق أضراراً كبيرة بالأوضاع الداخلية. وعلى هذا الأساس يمكن القول إن احتمالات فشل المفاوضات النووية – الإيرانية – الدولية أكبر من احتمالات نجاحها.