يظن البعض من الكتاب أنّ الناس لا تعرف ولا تقرأ… ويعتمدون الكذب والتضخيم والتضليل بأسلوب مثير وربما جذاب، ظناً منهم أنّ ما يكتبون هو كلام مُنزل لا حاجة لمناقشته أو التوقف عنده أو البحث عن حقيقته.
تأكيداً على ما تقدّم أعلاه ما كتب أنّ روسيا تنوي أن تودع مليار دولار في لبنان، وأنّ تحسين العلاقات بين لبنان وسوريا سوف ينقذ الاقتصاد اللبناني ويفتح مجالاً للترانزيت لتصريف الإنتاج اللبناني.
أولاً- فلنتحدث عن الوضع الاقتصادي في سوريا، وماذا فعلت روسيا في سوريا غير انها أنقذت بشار الأسد ونظامه من السقوط؟
ثانياً- بما اننا نذكر الوضع الاقتصادي في سوريا فلنأخذ مثلاً ماذا حدث بالليرة السورية أمام الدولار؟
قبل بداية الثورة السورية في العام ٢٠١١ كان سعر الصرف: ٥٠ ليرة سورية للدولار الواحد… اليوم الدولار الواحد يساوي ١٢٠٠ ليرة سورية.
ثالثاً- عنف المعارك العسكرية المفرط واستخدام النظام مختلف وسائل القتل والتنكيل وتدمير البنى التحتية وتدمير المساحات الواسعة الصالحة للزراعة وتعطيل الكثير من المنشآت الصناعية (…) أدى الى تعطيل الاستفادة من الثروة النفطية وتدمير القطاعين الزراعي والصناعي، وأيضاً القطاع السياحي، وكذلك تهجير نصف الشعب السوري، وخسارة ملايين السوريين من أصحاب الكفاءة العلمية.
رابعاً- رفض المعالجة السياسية للأزمة والإصرار على الخيار الأمني استنزف الخزينة العامة من العملات الصعبة، بسبب شراء السلاح وتحجيم الدخل القومي وتغطية العمليات العسكرية.
خامساً- تحتل سوريا المرتبة ١٧٨ عالمياً ضمن قائمة أسوأ الدول فساداً، وليس خلفها سوى الصومال في وقت تتضاعف أرقام ودائع بعض الضباط ورجالات النظام في مصارف سويسرا والإمارات وروسيا…
وحين يتوسع دور السوق السوداء برعاية مسؤولين كبار وأمراء الحرب وتجارها وميليشيا «حزب الله» اللبناني والحرس الثوري الايراني، وقد أصبحت هذه الفئات متحكمة في سوق القطع الاجنبي… في ذلك الوقت يمكن تقدير الآلية التي من خلالها تنهب أموال وثروات السوريين.
سادساً- صحيح ان العقوبات لعبت دوراً كبيراً في تفاقم أزمة الاقتصاد السوري ولكن واشنطن فرضت أيضاً عقوبات على طهران… ويبدو أنّ النظام السوري اعتمد كلياً على الدعم الايراني في مرحلة معينة، ولكن بعد أن زاد الضغط الاميركي لم يعد يستطيع أن يدعم الاقتصاد السوري واقتصرت الإمدادات على قطاع النفط وبعض التوريدات العسكرية.
سابعاً- هروب رؤوس الأموال بسبب الحرب والوضع الأمني وانتشار الإبتزاز المالي والخطف، والخطف والمبادلة، وفرض الحواجز العسكرية الاتاوات على الاشخاص والسيارات وتلك التي تحمل المنتجات الزراعية، ما أدى الى هجرة رؤوس أموال سوريا الى تركيا ومصر والاردن ولبنان تقدّر بـ٣٥.٧ مليار دولار.
ثامناً- ارتفعت البطالة الى ٧٨٪، إذ يوجد ٩ ملايين سوري عاطل من العمل، وارتفعت الاسعار بين ٢٠١١ و٢٠١٩ الى ١٤ ضعفاً وخسر الاقتصاد السوري ٢٢٦ مليار دولار عدا عن الأضرار في المباني والمنشآت، وبحسب الامم المتحدة تحتاج سوريا الى ٢٥٠ مليار دولار لإعادة الإعمار.
وننتقل الى روسيا حيث يعاني الاقتصاد أيضاً، وروسيا تعاني من انخفاض عملتها أمام الدولار، إذ ارتفع من ٥٠ الى ٨٠ روبل، وهذه لأول مرة في التاريخ، وتورد صحيفة روسية أنّ أسباب تهاوي العملة أبرزها اثنان: العقوبات الاميركية على شركات روسية كبرى، وثانياً إنسحاب المستثمرين من الأسواق الصاعدة وسط تشديد السياسات النقدية.
باختصار، أنّ روسيا اليوم في معاناة مالية (وهي كما روى لي صديق وزير) ان إحدى الدول اشترت الكلاشينكوف وقذائفه بـ٢٥ مليون دولار… ولكن يتعذر تحويله بسبب العقوبات الاميركية.
ولو عدنا الى انهيار الاتحاد السوڤياتي في التسعينات، ولا شك في أنّ روسيا، خليفة ذلك الاتحاد، وبعدما تخلصت من الدول الفقيرة التي كانت تدعم إقتصادها أصبحت في حال أفضل وذات إقتصاد واعد، ولكن مشكلة العالم كله أنه مربوط بالدولار الذي يستطيع أن يفعل أكثر من الصواريخ وسائر الاسلحة وحتى القنابل النووية، لأنه محور العالم، بل هو الحاكم الفعلي للعالم، فأي قرار أميركي له مفاعيله ودوره العالمي حتى لو كان مجحفاً كما حصل مع المصارف اللبنانية (مثل بنك جمال والبنك اللبناني الكندي)…
عوني الكعكي