حرب لبنان الثالثة وقعت قبل أسبوع تقريبا. كان ذلك بين جدران إحدى قاعات الإجتماعات في مركز هرتسليا الإسرائيلي إبان مؤتمره السنوي. هناك اجتمع خبراء في الأمن والسياسة ونفذوا بشكل سري محاكاة أكاديمية لتدهور الأوضاع على الجبهة الشمالية وانزلاقها في اتجاه مواجهة تبين أن خيارات إسرائيل فيها تراوح بين السيء والأسوأ
محاكاة «حرب لبنان الثالثة» كانت البند الأول على جدول أعمال المؤتمر السنوي الخامس عشر لمركز هرتسليا. لكن اللافت في حينه كان إبقاء هذه المحاكاة مغلقة وعدم إتاحة الفرصة أمام غير المشاركين فيها لحضورها. لكن المركز عاد ونشر على موقعه الإلكتروني موجزا مقتضبا يتضمن أبرز الخلاصات التي أفضت إليها المحاكاة وفقا لسيناريوهين؛ الأول ينحو في اتجاه محاولة منع الحرب، فيما يحاكي الثاني وقوعها ويركز على كيفية إنهائها. في ما يلي هذه الخلاصات كما عرضها الموقع.
السيناريو الأول: تصعيد على الجبهة الشمالية ــــ هل يمكن منع الحرب؟
أولاً ــ المعطيات
شنت إسرائيل هجوما داخل الأراضي السورية واللبنانية لإحباط عملية نقل صواريخ أرض أرض متطورة إلى حزب الله. حزب الله يرد بإطلاق 41 صاروخاً باتجاه أهداف مدنية وعسكرية في هضبة الجولان تؤدي إلى قتل خمسة إسرائيليين وجرح 20 آخرين. الولايات المتحدة وإيران تعلنان أن الإتفاق النووي سيوقع في 30 حزيران 2015. في العراق تستعد قوات الحكومة والميليشيات الشيعية والكردية، بمساعدة أميركا وإيران، لإطلاق عملية تحرير الموصل.
تدهور الأوضاع وانزلاقها الى مواجهة تبين أن خيارات إسرائيل تراوح بين السيء والأسوأ
المتمردون الحوثيون يحتلون عدن، وإيران ترسل مساعدات عسكرية إليهم. مصدر حوثي رفيع يهدد بإغلاق مضيق باب المندب أمام الملاحة الإسرائيلية.
ثانيا ـ الخلاصات:
إسرائيل تقرر الرد بشكل منضبط ومحسوب من أجل منع التدهور باتجاه حرب لبنان الثالثة (وذلك نتيجة اعتبارات خاصة بها وضغوط خارجية ورسائل من حزب الله بأنه غير معني بالتصعيد). مغزى ذلك هو تسليم إسرائيلي بتغيير قواعد اللعبة مقابل حزب الله.
الإتفاق النووي مع إيران لا يتأثر بالأزمة وكل الجهات ذات الصلة تتطلع إلى إنجازه في الموعد المحدد.
روسيا تبدي تدخلا لا سابق له في محاولة لمنع الحرب (وذلك لحماية مصالحها في الشرق الأوسط). في هذا الإطار تقترح تسوية لمنع نقل قدرات استراتيجية إلى حزب الله في إطار الحؤول دون حصول توترات مستقبلية بين إسرائيل من جهة، وحزب الله ونظام الأسد وإيران من جهة ثانية (على شاكلة التسوية التي قادتها مع دمشق في موضوع الكيميائي السوري).
«داعش» و»جبهة النصرة» ومنظمات المعارضة السورية تتحرك بكل قوتها ضد نظام الأسد وحلفائه في وقت يكون حزب الله منشغلاً في المواجهة مع إسرائيل. هذا يعد عاملا رادعا بالنسبة لحزب الله حيال أية مواجهة مستقبلية مع إسرائيل.
«داعش» يتحول إلى عامل قوة مهم إقليمي ودولي يمتلك القدرة على العمل بشكل متواز على عدة جبهات ضد التحالف الغربي وضد دولة إسرائيل.
إيران تتحول إلى عامل القوة الأكثر تأثيرا في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
سيطرة الحوثيين على اليمن وتهديدهم حرية الملاحة الإسرائيلية تعترضها إجراءات أميركية لاحتواء التأثير الإيراني وتأمين حرية الملاحة في المنطقة لكل الجهات، بما في ذلك إسرائيل.
في ظل الواقع المعقد والمتعدد المواجهات العنيفة في الشرق الأوسط، تندفع القضية الفلسطينية إلى هامش المصالح بالنسبة كل الأطراف الرئيسية.
السيناريو الثاني: «اليوم الثالث لحرب لبنان الثانية». كيف يمكن إنهاء الحرب؟
أولاً ــــ المعطيات
في غضون ثلاثة أيام من القتال يطلق حزب الله 4500 صاروخ، معظمها باتجاه شمال إسرائيل. الصواريخ تستهدف أيضا منطقة الوسط. حزب الله يسيطر على قرية الغجر ويتم صد محاولة له للهجوم على مسكاف عام. الحزب يطلق أيضا صواريخ بر ــــ بحر باتجاه سفن إسرائيلية. طائرتان مسيرتان تابعتان لحزب الله يتم إسقاطهما مقابل سواحل الخضيرة ونتانيا. حتى الآن يبلغ عدد الخسائر الإسرائيلية 120 قتيلا وأكثر من 800 جريح. مرفأ حيفا ومطار بن غوريون يغلقان. الكثير من الأبنية والبنى التحتية تتعرض للإصابات. القتال يدور على الجبهة مع لبنان وكذلك في هضبة الجولان. الجيش الإسرائيلي يهاجم أهدافا لحزب الله في لبنان وسوريا وكذلك بنى تحتية في لبنان. معظم الترسانة الصاروخية البعيدة المدى التابعة لحزب الله يتم تدميرها، كما يتم استهداف العديد من البنى التحتية التابعة للحزب ويقتل عدد من مسؤوليه.
إسرائيل تتعرض لهجوم سايبيري كثيف. منظمة الجهاد الإسلامي تطلق 30 صاروخا من قطاع غزة باتجاه أهداف داخل إسرائيل. إسرائيل ترد بهجوم جوي على القطاع.
في الخليل في الضفة الغربية يتعرض جندي إسرائيلي للخطف وتتبنى الجهاد الإسلامي مسؤولية العملية.
تتواصل المفاوضات لتوقيع اتفاق نووي بين إيران ودول 5+1 في 30 حزيران.
في معركة الموصل تواجه قوات التحالف صعوبات في مواجهة «داعش». في سوريا يعاود «داعش» السيطرة على مخيم اليرموك قرب دمشق.
في أعقاب التصعيد في الشرق الأوسط ترتفع أسعار النفط والغاز العالمية بشكل كبير.
إسرائيل تشغل قوتها الجوية بشكل أساسي ضد أهداف تابعة لحزب الله في لبنان وهضبة الجولان. يتم استدعاء الإحتياط للتعامل مع احتمال حصول معركة برية في لبنان. إسرائيل تهاجم مقر هيئة الأركان السورية في دمشق كتلميح للأسد وإيران وحزب الله حول الثمن الذي يمكن أن يدفعوه إذا استمرت الحرب. الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي يدعمان إسرائيل، لكنهما يعملان في المقابل على وقف الحرب بشروط تكون مريحة لإسرائيل.
حزب الله معني بالوصول إلى وقف إطلاق النار بأقرب وقت ممكن في وقت يعتبر أنه أنجز معظم أهدافه ويرغب في الحفاظ على هذا الإنجاز. في حال نفذت إسرائيل عملية برية فإن حزب الله سيواصل القتال ضد إسرائيل وسيطلق الصواريخ حتى انسحاب الجندي الإسرائيلي الأخير من لبنان.
روسيا تعمل بشكل عدائي لا سابق له وتربط بين الجبهة الشرق أوسطية وإجراءاتها في أوكرانيا ودول البلطيق. كما ترسل «متطوعين» إلى لبنان وتنشئ مخيمات للمساعدة الإنسانية على مقربة من المواقع الإستراتيجية لحزب الله بهدف حماية «اللاجئين». الروس يشنون حربا نفسية وسايبيرية ضد إسرائيل ويتم تداول أنباء عن استهداف سايبيري لمنظومة «القبة الحديدية».
اسرائيل أمام سيناريوهين:
محاولة منع الحرب أو التركيز على كيفية إنهائها بعد وقوعها
برغم الحرب، تتواصل التحضيرات لتوقيع الإتفاق النووي مع إيران.
«داعش» و»جبهة النصرة» تتعاونان في هجوم مشترك ضد دمشق.
برغم الخطابات العالية النبرة، حماس تعمل على منع التصعيد مع إسرائيل عن طريق نقل رسائل عبر قنوات مختلفة، من بينها مصر.
الجامعة العربية تدين علنا الإجراءات الإسرائيلية، لكنها عمليا تدعم استمرار ضرب حزب الله والمصالح الإيرانية.
ثانياً ــــ الخلاصات:
الحرب المطولة ضد إسرائيل (خصوصا في مواجهة عملية برية) في موازاة الحرب ضد «داعش» و»النصرة» من شأنها أن تخلق تهديدا وجوديا على حزب الله. الحزب يدرك ذلك، ويسعى إلى حرب قصيرة الأمد في مواجهة إسرائيل يستعرض فيها إنجازات تساعده على تعزيز مكانته داخل الساحة اللبنانية.
دولة إسرائيل بإمكانها إذا أرادت أن تؤدي إلى انهيار نظام الأسد وتوجيه ضربة قاسية إلى حزب الله. لكنها بذلك تخاطر بفتح الطريق أمام انتصار «داعش» وجبهة النصرة في سوريا وانزلاق الحرب من سوريا إلى لبنان.
على إسرائيل أن تعمل على منع التصعيد في الساحة الفلسطينية، في حين أن الجهات الفلسطينية الرئيسية لديها مصلحة في ذلك أيضا.
يوجد تطابق مصالح تاريخية بين إسرائيل والمعسكر السني البراغماتي (مصر، الأردن، السعودية، ودول الخليج) وعلى إسرائيل أن تحاول دفع التعاون السري والعلني مع هذه الدول قدما.
روسيا تحولت إلى لاعب مهم في الشرق الأوسط ويبرز هذا الأمر في ضوء الضعف الأميركي في المنطقة. إسرائيل تضطر إلى مواجهة التدخل المتنامي لروسيا.
في مواجهة الواقع الديناميكي والمخاطر الأمنية على إسرائيل، ينبغي التشديد على أهمية العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة.
29 خبيرا في الأمن والسياسات الدولية وصناعة القرارات
شارك في المحاكاة 29 خبيرا في الأمن والسياسات الدولية وصناعة القرارات مثلوا سبع عشرة جهة ذات صلة بفرضية الأزمة هي: الولايات المتحدة، روسيا، الإتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة، حزب الله، الحكومة اللبنانية، سوريا، منظمات المعارضة السورية، «داعش»، إيران، السلطة الفلسطينية، حماس، مصر، الأردن، السعودية، الجامعة العربية.
وأبرز هؤلاء الخبراء كان السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، زلمان شوفال، وقائد الفيلق الشمالي السابق في الجيش الإسرائيلي، أيال بن رؤوفين، والصحافي المتخصص في الشؤون الإستراتيجية، رونين برغمان، الذين كانوا في عداد الطاقم الذي مثل إسرائيل. وفي حين كان السفير الأميركي السابق في تل أبيب، دانييل كرتسير، عضوا في الطاقم الذي مثل الولايات المتحدة، تألف الطاقم الذي مثل إيران من ثلاثة باحثين أكاديميين والصحافي المتخصص في الشؤون الإستخبارية، يوسي ميلمان. أما النظام السوري فقد ناب عنه البروفسور المتخصص في الشؤون السورية، أيال زيسر، فيما مثل الحكومة اللبنانية رئيس مركز الإستخبارات والإرهاب، الدكتور المستشرق رؤوفين إيرليخ. ومثل نائب رئيس مركز مكافحة الإرهاب التابع لمركز هرتسليا، الدكتورإيتان عزاني، موقف حزب الله، في حين توزع تمثيل السلطة الفلسطينية وحركة حماس والجامعة العربية والإتحاد الأوروبي على عدد من الباحثين الأكاديميين الآخرين.