عندما يسألونك في مراكز دراسات وأبحاث وإحصاء “ماذا تقول في الوضع اللبناني، وما هي النهاية التي لهذا الوضع الذي يعصى على الوصف”، فبماذا تجيب؟
وما هي المعلومات الأكيدة والنهائية والمعطيات، التي يمكن وضعها ضمن إطار وصفي تقريبي لحال هذا البلد الذي تعتريه أمراض ومصائب من الصعب تفسيرها وتفصيلها؟
معقَّد للغاية الوضع الاستثنائي لهذا اللبنان المتشابك داخله مع خارجه، ومن رابع المستحيلات تحديد مصادر الداء أو الوباء السياسي والاجتماعي الذي يُسربله.
ما يمكن استنتاجه من مجمل أزماته، التي لم تعد نائية بمعظمها عن إعصارات المنطقة وبراكينها، أن هناك قوى إقليميَّة معيَّنة يناسبها ويساعدها تحويل لبنان كياناً شبه مشلول، لا دولة له ولا مؤسسات ترعاه. عدا أنه فقَد دورة الحياة الطبيعيَّة على صعيدي السياسة والاقتصاد، كذلك الأمر بالنسبة إلى دولاب الإنتاج والتصدير، والحالة التجاريَّة والماليَّة والصناعيَّة بصورة عامّة.
أما عن العوامل، والدوافع والمسبّبين، فليس في لبنان، أو حتى على مستوى العالم العربي وعبر البحار، مَنْ يجهل الدور الكبير للنووي الايراني في هذا “التصحير” الذي أُصيب به لبنان. كما ليس ثمّة مَنْ يتردَّد في القول والإعلان أن لطهران دوراً كبيراً في إيصال وطن الثماني عشرة طائفة إلى هذا الفراغ المريب والمريع.
ومنذ ما يُقارب السنة، ومن غير أن تلوح في الأفق اللبناني أيّة مؤشّرات، أو علامات، أو مبادرات تقول للبنانيّين إن “غودو” استحقاقهم الرئاسي لم يعد موعد وصوله كغدٍ في ظَهر الغيب.
الجميع صمٌّ بكمٌ، لا كلمة ولا حتى سؤال. مجرَّد زمّ شفاه وتقليب أيدٍ في حركة تعني لم رأينا لم سمعنا لم حكينا.
كل ما يُقال على الصعيد الرئاسي، لبنانياً أو عربياً – دوليّاً، ليس إلاّ من قبيل التقدير. أو التمنّي. أو للتهرُّب من الإجابة بأن أحداً لا يدري. فالمسألة اللبنانيَّة، بكل تعقيدات فراغها الرئاسي، لا تمسّ بها يد واحدة.
لإيران دور في التعطيل حتماً. تطورات المنطقة مشتركة بدورها، ولأسباب شتّى، في إبقاء الفراغ اللبناني ضمن إطار الاستقرار النسبي. لا أكثر ولا أقل.
حتى التصعيد الذي تعمَّده السيّد حسن نصرالله في خطابه الأخير لا يضيف شيئاً إلى واقع الحال. ولا يعكس موقفاً جديداً لطهران. كما لا يؤجِّج أزمة الفراغ لينقلها من الحالة السلميّة إلى الحالة الحربيَّة.
الوضع على حاله، وبكل علاّته. إلى أن يتوصَّل الرئيس باراك أوباما إلى استنباط مَخرج للحرب الجديدة في اليمن، وبما يحظى بموافقة المملكة العربية السعودية ومباركتها.
عندئذ، فقط، وبالحصول على هذه الموافقة من الدول الثلاث، يصير في الإمكان التحدُّث بواقعيّة عن الوضع اللبناني…
وحتى عن الوضع في المنطقة.