IMLebanon

«بدعة لبنانية» .. بين أوباما ونتنياهو

يكفي مسؤول إسرائيلي كبير أن يُعلم البيت الأبيض بأنه سيقوم بزيارة لمدينة ما في الولايات المتحدة، كي يُسرع مكتب الرئيس الأميركي إلى تعيين موعد للقائه تحت أضواء التلفزة ووسائل إعلام أميركية وأجنبية. لكن ذلك لا ينطبق على إدارة الرئيس باراك أوباما في هذه الأيام، وعلاقته برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. فالكيمياء بين الرجلين معدومة، وقد خرج ذلك إلى العلن بعد الاجتماع الثالث بينهما في البيت الأبيض. كان نتنياهو يكرر ما قاله لأوباما في لقاءيهما السابقين عن «الخطر الإيراني على إسرائيل والمصالح الأميركية»، فقاطعه الرئيس الأميركي يومذاك قائلاً: «إذا لم يكن لديك جديد للبحث، أفضل الذهاب إلى ميشال (زوجته) وابنتي اللواتي ينتظرنني».

قيادة الحزب الجمهوري في مجلس النواب التي فشلت في ردع أوباما من الاستمرار في التفاوض مع إيران حول ملفها النووي، وجهت الشهر الماضي دعوة إلى نتنياهو لمخاطبة مجلسي النواب والشيوخ رداً على تهديد الرئيس أوباما بالفيتو إذا حاول الجمهوريون تشريع قانون يهدد إيران بزيادة العقوبات. إن استعمال الخارج للتغلب على المنافس في الداخل «بدعة لبنانية» يستعملها الجمهوريون اليوم للتغلب على أوباما. لكن الأميركيين لم يستسيغوا دعوة نتنياهو تلك، ومنهم أركان المنظمات اليهودية في واشنطن الذين اتصل بعضهم برئيس الحكومة الإسرائيلية يطالبونه بعدم التدخل في الشؤون الداخلية الأميركية، وعدم استعمال الساحة الأميركية لكسب معركة الانتخابات الإسرائيلية في 17 آذار المقبل. لم يرضخ نتنياهو لطلب هذه المنظمات، لكنه أرجأ زيارته لواشنطن من منتصف شباط إلى أوائل آذار، كي تتناسب مع المؤتمر السنوي لأقوى المنظمات اليهودية في واشنطن (إيباك) التي دعته أيضاً إلى مخاطبة مؤيديها.

ونظراً إلى سوء العلاقة مع البيت الأبيض منذ بداية إدارة باراك أوباما، انحاز نتنياهو إلى الجمهوريين خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، عندما أعلن تأييده لميت رومني منافس الرئيس في انتخابات 2012.

وهذه ليست أول مرة تختلف الإدارة الأميركية مع الحكومة الإسرائيلية. سبق لهنري كيسنجر أن هدد بإعادة تقييم العلاقات بين البلدين يوم رفضت غولدا مائير السير بإيجابية مع اتفاق الجولان السوري بعد حرب 1973. كذلك فعل جايمس بايكر بعد حرب العراق الأولى (1991) عندما منع بنيامين نتنياهو (نائب وزير خارجية إسرائيل يومذاك) من دخول الخارجية الأميركية بسبب انتقاده السياسة الأميركية في ما يتعلق بمسيرة السلام. كذلك أعلن بايكر مقاطعته حكومة إسحق شامير لرفض الأخير المشاركة في مؤتمر السلام مع الفلسطينيين. في الحالتين، ربحت واشنطن المواجهة، وأبرم كيسنجر اتفاق هدنة بين سوريا وإسرائيل في الجولان، واشترك شامير في مؤتمر مدريد للسلام الذي أفرز في العام 1993 اتفاق أوسلو. لكن أول مسؤول أميركي عارض ـــ لا بل ردع الخطط الإسرائيلية ـــ كان الرئيس دوايت أيزنهاور عندما أجبر إسرائيل (وبريطانيا وفرنسا) على الانسحاب من مصر بعد حرب السويس في العام 1956.

اليوم يدور الخلاف بين أوباما ونتنياهو حول إيران وفلسطين. وبينما يتمنى أوباما أن يولي نتنياهو في اجتماعاته معه أولوية لحل الخلاف الفلسطيني ـــ الإسرائيلي، يصر الأخير على إقناعه بأن ليس هناك خلاف مع الفلسطينيين وإنما مع إرهابيين فلسطينيين هنا وهناك، وأن إسرائيل تستطيع معالجة الموقف، وأن المشكلة الأساسية في الشرق الأوسط هي إيران ومحاولتها بناء سلاح نووي، ولذلك يجب منعها من تخصيب اليورانيوم في المطلق. هذا، فيما وافقت الدول الخمس زائداً واحداً على السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم لتصنيع الكهرباء وغيرها من الأغراض السلمية.

كذلك، يصر نتنياهو على اعتبار إيران دولة مارقة تصدّر الإرهاب إلى لبنان (حزب الله) وغزة (حماس والجهاد الإسلامي) واليمن (الحوثيون) وسوى ذلك من دول، وأنها وراء عمليات إرهابية في إسرائيل والغرب وفي أكثر من بلد حول العالم. لذلك يطلب نتنياهو من واشنطن ضرب إيران لا التفاوض معها كما يفعل أوباما.

هذه الوقائع يجب أن لا تعني أن العلاقات الأميركية ـــ الإسرائيلية تسير نحو خلاف مزمن. إنه خلاف بين أوباما ونتنياهو وليس بين الولايات المتحدة وإسرائيل. إن تسريب مقالة «الواشنطن بوست» عن التعاون بين «الموساد» الإسرائيلي و «وكالة الاستخبارات المركزية» الأميركية لاغتيال عماد مغنية (شباط 2008) في دمشق بموافقة مسبقة من جورج بوش الإبن، هو تسريب مقصود للتأثير سلباً على المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، ولكنه يعكس بالمضمون التعاون العميق والدائم بين مؤسسات البلدين.