مدير المخابرات يُستدعى من الاحتياط مساء الأحد
بعد يوم غد، يفترض أن يُحال مدير المخابرات العميد إدمون فاضل الى التقاعد بعد إتمام جميع الاجراءات الادارية والمالية المتعلّقة بتعويضات نهاية الخدمة والتقاعد، مضافة اليها تعويضات السنتين اللتين شهدتا تأجيل تسريحه لأكثر من مرة منذ العام 2013، إلا ان «الجنرال» فاضل لن يغادر موقعه في وزارة الدفاع، حيث سيستخدم الوزير سمير مقبل صلاحيته باستدعائه من الاحتياط بعد منتصف ليل الاحد ـ الاثنين.
وفيما بات معلوما أن قرار الاستدعاء من الاحتياط يأتي بعد استنفاد فاضل سنوات خدمته في السلك العسكري، وهي 42 عاما، ما يحول دون اللجوء الى خيار تأجيل التسريح مرّة أخرى، فإن القرار المتّخذ على مستوى مديرية المخابرات لا يشكّل سوى تتمّة لمسار بدأ من سنتين: لا تغيير على مستوى قيادة الجيش، ومديرية المخابرات، ورئاسة الاركان. أما وزير الدفاع فقد أكد على لسانه شخصيا، قبل أيام، هذه اللازمة!
مؤخّراً صدرت تشكيلات عسكرية طالت أساسا مديرية المخابرات، وتحديدا رئاسة فرع الامن العسكري بعد إرسال العميد خليل يحيى الى الصين في دورة اركان لمدة عام، وبما ان الضابط الجديد المعيّن العميد محمود الاسمر من دورة الـ86 فقد تمّ نقل عدّة عمداء من دورة الـ85 الى خارج مديرية المخابرات، كما تمّ تشكيل ضباط آخرين الى المديرية. هي مجرد حركة تشكيلات روتينية لم تصل الى «الرأس».
ومنذ الاول من تموز الحالي لا يزال منصب نائب مدير المخابرات (شيعي) شاغراً بعد إحالة العميد عبد الكريم يونس الى التقاعد، فيما يستمر نائب مدير المخابرات الثاني (سني) العميد باسم الخالد في مهامه.
ويبدو أن تعيين نائب مدير المخابرات سيبقى مؤجّلا الى حين تعيين مدير مخابرات أصيل. والمنصبان بدورهما مرتبطان باستحقاق تعيين قائد جيش جديدا يصدر قرار تعيينه بمرسوم بأكثرية الثلثين في مجلس الوزراء بعد انتخاب رئيس جديد، فتصدر سلّة تشكيلات على رأسها مدير المخابرات ونائبه وكل المواقع الشاغرة في طليعتها أعضاء المجلس العسكري: ثلاثة بحكم الشغور (كاثوليكي وشيعي وارثوذكسي) واثنان بحكم تأجيل التسريح (سني ودرزي).
هذا أقلّه تصوّر من امتلك مفتاح الحل والربط في مسألة التعيينات العسكرية، واستراتيجية هذا الفريق كانت واضحة: لا قائد جيش ولا مدير مخابرات ولا تعيينات في المجلس العسكري، قبل انتخاب رئيس للجمهورية.
وفيما تبقى تسوية ترقية الضباط عالقة حتى اللحظة الاخيرة السابقة لإحالة العميد شامل روكز الى التقاعد في 15 تشرين الاول المقبل، وفي وقت خضعت فيه هذه التسوية ولا تزال لبازار سياسي مفتوح، فإن استحقاق مديرية المخابرات عولج بصمت ومن دون «شوشرة» سياسية، مع العلم ان العماد ميشال عون بقي بعيدا نسبيا عن هذا الاستحقاق، ولم يقاربه بالحدّة نفسها التي قارب فيها ملف قيادة الجيش وتعيينات المجلس العسكري، فيما تردّد ان مدير الافراد العميد كلود حايك يلقى تأييد عون من دون ان يتبنّاه صراحة.
طُرِحت أزمة مديرية المخابرات منذ تأجيل التسريح الاول في نيسان 2013. تعيين مدير المخابرات لا يحتاج الى قرار من مجلس الوزراء، بل الى قرار من وزير الدفاع، بناء على اقتراح من قائد الجيش وموافقة المجلس العسكري.
يومها لم تفهم مبرّرات القفز فوق خطوة التعيين باتجاه التمديد في ظل وجود رئيس جمهورية وحكومة، إلا من زاويتين:
الاولى التمهيد لمسار مطلوب من تأجيل التسريح طال اساسا قيادة الجيش ورئاسة الاركان، ثم لاحقا الامين العام للمجلس الاعلى للدفاع اللواء محمد خير الذي عين في آخر جلسة لحكومة نجيب ميقاتي قبل تقديمها استقالتها.
والثانية قطع الطريق على أيّ مرشّح لهذا الموقع يفرضه ميشال سليمان أو ميشال عون من ضمن ما يعتبره الاخير أحقية له في تزكية أسماء لمواقع مارونية استــنادا الى حيثيته المسيحية، وقيل يومها ان عون طرح فعلا بعض الاسماء لكن أحدا لم يأخذها على محمل الجد.
أما قائد الجيش جان قهوجي فكان يقارب المسألة من زاوية لا تقبل النقاش لديه: في العام 2013 أبدى تمسّكه صراحة بخيار بقاء فاضل في موقعه من ضمن جو دولي كان يزكّي هذا الخيار. الرئيس ميشال سليمان كان له مرشّحه لمديرية المخابرات (بسام بطرس يومها، وبعدها طرح وديع الغفري او فادي داوود)، إلا ان قهوجي كان يرفض، كما يرفض اليوم، ان يعيّن أي ضابط في موقع مديرية المخابرات لا يكون حائزا موافقته الشخصية، او بالاحرى يكون مرشّحه الخاص لهذا الموقع.
توالى تأجيل التسريح الى أن فرض واقع استنفاد فاضل لسنوات خدمته العسكرية. معادلة قهوجي كانت الآتية: إذا لم نتمكّن من إبقاء فاضل في موقعه، فسنذهب الى التعيين.
مرشّح قائد الجيش كان العميد كميل ضاهر (دورة 85)، وكان من شأن تعيينه ان يؤدي الى حركة مناقلات واسعة داخل مديرية المخابرات ستفرض على عمداء كثر، بينهم رئيس فرع مخابرات بيروت العميد جورج خميس، ان ينتقلوا الى خارج مديرية المخابرات.
ومرّة أخرى أفهم قهوجي من يعنيه الامر أنه صاحب الكلمة الفصل في التعيين إذا لم يتمّ إيجاد التوليفة القانونية لبقاء فاضل في موقعه. وصل الامر الى حدّ مجاهرة قائد الجيش بأنه قد يلجأ الى خيار «تشكيل» ضابط وتعيينه مديرا للمخابرات بالانابة إذا غادر فاضل ولم يتمّ التوافق على اسم البديل!
لكن الخيار رسا، بدفع قيل إنه أميركي، على استدعاء فاضل من الاحتياط لمدّة ستّة اشهر، حيث تأتي هذه الخطوة لتكمّل المسار المحدّد للاستحقاقات العسكرية التي صنّفت تحت خانة «ممنوع اللمس» ما دام الشغور يسكن قصر بعبدا.
مقبل: طريقة الترقيات تخلق بلبلة
أكد وزير الدفاع سمير مقبل أنه «غير موافق على الطريقة المعتمدة في ملف الترقيات العسكرية والتسويات السياسية المستغلة لهذا الموضوع»، موضحاً أنها «تخلق بلبلة بين الضباط».
وقال، بعد زيارته متروبوليت بيروت للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، «اذا وافقت جميع القوى السياسية على هذه التسوية يمكن طرح العملية على مجلس الوزراء كي يتخذ القرار المناسب»، لافتا الانتباه الى «أننا في كتلة الرئيس ميشال سليمان ضد هذه العملية».