صباح الأحد الماضي، خرج إبني غدي من منزلنا في أدما لممارسة نشاطه الرياضي اليومي وعاد بعد دقائق ليبلغني بتعذر تحركه بالسيارة لأن أدما تشهد زحمة سير خانقة. كلفته بمهمة التقصي وإفادتي “واتسآبياً ” بحقيقة الواقع الميداني، فلم يتأخر وأرسل إلي هذا الخبر “فادي خيرو يوزع مساعدات” وأرفق الخبر بصور من الشارع الرئيس حيث السير متوقف على خمسة خطوط طلوعاً باتجاه أدما، ما جعل النزول باتجاه الساحل عملية صعبة ومحفوفة بالشتائم.
حفّزني الخبر على انتعال حذاء رياضي واستطلاع حقيقة الأمر بالعين المجرّدة، ففوجئتُ بأرتال السيارات “مبلّطة” بأرضها. أناس “ذوات” بلا زغرة. أناس معدمون كما توحي سياراتهم. أناس متوسطو الحال سابقاً. سألني رجل: “بعدو بعيد القصر؟”. استوضحته: “أي قصر؟”. أجاب: “شو بيعرفني قالولي بالقصر في توزيع مساعدات”. جاوبته: “إن كنت تقصد السيد خيرو فالقصر حسبما تناهى إلى مسامعي يقع في أعالي طبرجا، أو ربما في الـ No man’s land بين أدما والنطاق البلدي لطبرجا/ الصفرا”. قلت كلمتي وتابعت المشي بين طوابير السيارات المتوقفة والمتلاصقة، ومن دون أن أسأل توجّهت إليّ سيدة بالكلام وبدا الشحوب والإرهاق عليها “ماشية من زحلة الساعة 6 ألله وكيلك وصارت 11. بعدو بعيد بيت مسيو فخرو؟”. فأوضحت لها أن نصير الشعب من عيلة خيرو.
ولفتني في تجوالي “منظر” مواطن فتح باب سيارته الأمامي. ثبّت أرغيلته إلى جانب الطريق وبدا على محياه ما يشبه الغبطة الممزوجة بالتسطيل وعدم الاستعجال. اللبناني “العييش” يحتاط لكلّ أمر. وعلى بعد أمتار فتح مواطن غطاء الموتور وكانت مياه الرادياتور تغلي في مؤشر إلى تدهور حال سيارته الصحيّة. والمشهد الأقوى الذي رصدتُه نزول “حاملة سيدات” وهجومها على سائق مرسيدس “مهرهرة” أقفل طريق المتجهين نزولا باتجاه الكازينو. وصل صوتها المسيء للبيئة إلى مخفر غزير. ولولا تدخّل العقلاء لالتهمت “الرجل” الفأر المكوّم خلف مقوده.
علمتُ من ثرثرات من أطفأوا محرّكاتهم أنها ليست المرة الأولى التي يوزع فيها رجل الأعمال الشيخ فادي إميل خيرو، صاحب الشركة اللبنانية العربية للتسليف والناشط عقارياً، مساعدات عينية للمعوزين، وكتّر ألف خيرو، كما أنها ليست المرة الأولى التي يصرّ فيها على أمرين: التسليم باليد وعدم تهيئة المكان الصالح والعملي لتوزيع مساعداته. ربما يحب خيرو أن يكحّل عينيه بمرأى المحبّين الوافدين إلى دارته الواسعة. وكي لا يُظلم “الشيخ” المؤمن فقد تقدم بطلب من رئيس بلدية أدما شربل شهوان لاستعمال الطريق العام بموازاة “ستار أكاديمي” فأجاب “الريس” على الطلب بالموافقة مشترطاً تأمين المؤازرة الأمنية، لنقص في عديد شرطة البلدية، وهذا ما لم يتحقّق.
خمسة آلاف أو ستة آلاف حصة غذائية حرزانة وزعها “الشيخ” خيرو في يوم الحشر. “قديه حرزانة؟” سألت مصدراً حسن الإطلاع فأعلمني بأنّ ما تحوية الكرتونة “لا يقل ثمنه عن 600 ألف ليرة!”. صُعقت.
مختصر القول: سمعت كثيراً عن الذل. يوم الأحد شاهدته.