تثير الحالة السياسية في لبنان منذ الإستقلال ولغاية اليوم العديد من التساؤلات المنطقية والموضوعية حول العوامل التي تدفع باللبنانيين إلى التطنيش عن واقع الأحوال المزرية وبكافة الصعد، وهذه الحالة ولّدت لدى العديد من الباحثين في لبنان ومراكز الأبحاث العربية والدولية ومنها مركز PEAC أسئلة كثيرة وشائكة تتوخّى في مضامينها إيجاد تفسيرات حول عواملها وإكتشاف ربما جذورها وكيفية تفاعلها مع الشعب اللبناني والمستهجن في الأمر هذا «التكيُفْ مع الأمر الواقع» رغم مرارته.
في الجمهورية اللبنانية تغيب الحرية علما أنها في «علم السياسة»، قضية مُلحّة وذات أولوية قصوى في ممارسة العمل السياسي البرلماني التشريعي. وتُعاني الجمهورية اللبنانية من ظهور العديد من الخطابات السياسية التي تحمل طابعاً طائفياً مذهبياً تضليلياً بسبب تعدُّد المواقف السياسية والحزبية والبرلمانية حيال العديد من القضايا وأهمها: ضرب صيغة النظام الديمقراطي المتناقض مع وثيقة الوفاق الوطني بما يحمله من تناقضات حول موضوع السلاح غير الشرعي المتفلّت، وآلية إدارة النظام السياسي في لبنان… كل هذه المواضيع هي قضايا خلافية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، ووفق وجهة نظرنا كباحثين وأعضاء في مركز أبحاث PEAC لا إمكانية في الوقت الحالي لإيجاد توافقات شبه موحّدة حول الآلية القانونية لحلّها.
طبيعة النظام السياسي اللبناني في المرحلة الراهنة تحكمه طبقة سياسية تُنظِّر في الحقل السياسي ولا معرفة لديها في أمور التشريع، ولا تستند إلى ثقافة سياسية نظرية منهجية عميقة رصينة، والمؤسف أنّ الإعلام المأجور (أو بعضه وعذراً من الإعلاميين الشرفاء)، يُقدّمهم ويوّصفهم محللين وخبراء إستراتيجيين سياسيين، وهم على ما يظهر غير كفوئين لا سياسياً ولا وطنياً ولا أخلاقياً. الملاحظ من الخطاب السياسي المنتهج هو كناية عن أفكار عقائدية تتسّم بالشمولية والدكتاتورية والأحادية والإطلاق وحتى الثبات على الخلافات والإجتهادات غير الدستورية واللاقانونية والتي تتمتّع بمستويات متفاوتة من الهمجيّة والإنحلال الفكري والخُلُقي والتي غالباً ما تُنْتِج تصلباً وتضليلاً ممنهجاً.
الواضح وبعد العديد من الاجتماعات والخلوات والنقاشات أننا نعيش منذ سنين حالة من العبث السياسي الذي لا مثيل له في أي دولة من دول العالم، ولهذا السبب وحسب المعطيات والمؤشرات إنّ نظام لبنان السياسي هو نظام سياسي فاشل بإمتياز. ومنطق «العلوم السياسية»، يذكر ما حرفيته «من دون أي تنظيم للعمل السياسي لن نستطيع تحقيق أي إنجاز مما يعدون، وستظل الأمور في دوّامة السياسة الإنتخابية تدور، ومشكلة توّلِد أخرى، إلى الوصول لحافة التيّه السياسي الذي يسبِّبْ في تراجع الأنظمة والأوطان والشعوب وتخلّفهم».
الجمهورية اللبنانية بكل أجهزتها المدنية والعسكرية متحلِّلة، لأنها في ظل مساحة جغرافية (السيادة الوطنية ) محتّلة وشعب مرتهن ومغلوب على أمره لا بل مُضلّلْ وتحكمها سلطة سياسية فاسدة بإمتياز. وللأسف إنّ الأزمة الحالية أظهرت وأثبتتْ كيف عمِلَ هذا النظام السياسي على تدمير جميع دعائم المعرفة السياسية لدى الشعب اللبناني بل لدى المثقفين. وقّانا الله من نظام سياسي يدّعي إنجازات نصر وهمية وحرية سياسية دكتاتورية، وبصريح العبارة نحن أمام حضرة نظام فاقد للشرعية التمثيلية الميثاقية ولا مصداقية له في الشارع اللبناني والعربي والدولي… الله ينجينا.