IMLebanon

“فشل” دولة لبنان مسؤوليّة إيرانيّة وسعوديّة

للمملكة العربيّة السعوديّة على لبنان الكثير سواء في أيّام السلم أو في أيّام حروبه الأهليّة وغير الأهلية. فهي فتحت الأبواب أمام عمل أبنائه فيها من دون تمييز، وقدّمت للدولة اللبنانيّة الكثير من المساعدات الماليّة. لذلك أثار قرارها وقف المساعدات للجيش وقوى الأمن الداخلي قبل أيّام التساؤلات عن الدوافع والخوف من أثره على العلاقة المتينة بين الدولتين وعلى الوضع اللبناني “المهزوز” أمنيّاً وسياسياً. كما أقلق اللبنانيّين قول المصدر السعودي المسؤول إن وقف المساعدات هو واحد من إجراءات، وفي ذلك إشارة إلى خطوات “عقابيّة” أخرى محتملة بغية المحافظة على مصالحها. وما ضاعف التساؤلات والخوف التضامن الفوري مع القرار السعودي لمجلس التعاون الخليجي، إذ من شأنه وقف مساعدات وتهديد اللبنانيّين العاملين في الخليج في عملهم.

لماذا اتخّذت المملكة قرار وقف المساعدات؟

السبب الذي برّرت به قرارها هو عدم تضامن لبنان معها في مواجهتها الكبيرة لإيران في اليمن والبحرين وسوريا وخارجها حرق سفارتها في طهران والاعتداء على قنصليّتها في مشهد. أما عدم التضامن فأظهرته المواقف التي اتّخذها وزير الخارجية جبران باسيل في مؤتمر وزراء الخارجيّة العرب وفي المؤتمر الإسلامي اللّذين انعقدا للنظر في إعتداء “إيران على المملكة”. وكانت كلّها “معادية” للرياض في نظرها رغم أنه برّرها بسياسة “النأي بالنفس” أي الحياد في مشكلات المنطقة التي التزمتها الحكومة في بيانها الوزاري.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا يتعلّق بتوقيت رد فعل السعوديّة على لبنان! فهي تعرف من زمان أن لبنان “الشيعي” وبعض المسيحيّين ضدّها ويتبنّيان في صورة كاملة سياسة إيران الإقليمية وعداءها للمملكة. وتعرف أيضاً أن زعيمه “حزب الله” مُشارك في حرب إيران السوريّة وحرب إيران اليمنيّة وفي حرب إيران العراقيّة وفي تعبئة الشيعة الخليجيّين حيث يعيشون ضد دولهم وحكّامهم. وتعرف ثالثاً أنه ممسك برقبة لبنان مع احترام مظاهر “المشاركة”. ورغم ذلك لم تعترض عمليّاً، أو بالأحرى كان اعتراضها تحذيرياً أي بالكلام وبطرد بعض اللبنانيّين المتّهمين بالتعامل مع “الحزب”.

فلماذا الانتفاض اليوم؟ ألا تعرف المملكة أن لبنان لا يستطيع أن يتّخذ قراراً واحداً، وإذا فعل فإنه سيعجز عن تنفيذه إذا تعلّق بإيران أو بسوريا الأسد أو بـ”حزب الله”؟ وألا تعرف أيضاً أن الضغط المالي والسياسي سيصيب كل اللبنانيّين من هم معها ومن هم ضدّها، وأنه قد يحوّل المواجهة السياسيّة – الإعلامية الحادّة في البلاد وأحياناً الأمنيّة فتنة أو حرباً أهليّة؟ وهل أصبحت ترى مصلحة لها في ذلك؟ وألا تعرف ثالثاً أن لبنان الحالي الذي يؤذيها هي التي سهّلت قيامه برضوخها لابتزاز الأسد الأب وضغوطه في أثناء الحرب وبعدها؟ وألا تعرف رابعاً أن حشر لبنان كثيراً سيمكّن “الحزب” من السيطرة عليه لأن العالم متكتّل ضد الإرهاب؟ وهل قرّرت، بعد تبنّيها استراتيجيا هجوميّة بعد عقود من استراتيجيا الدفاع، أن تحوّل لبنان، منصّتها الاعلامية ضد إيران، ساحة حرب مع حلفائها؟ وهل عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان جزء من ذلك؟

طبعاً لا يرمي هذا الكلام إلى تحميل السعوديّة مسؤوليّة ما يجري في لبنان، وما سيجري فيه بعد وقفها المساعدات، إذ إن الأنصاف والموضوعية يقتضيان الاعتراف بأن إيران لا تقل مسؤولية عنها. فهي مكّنت حزباً أسّسته من الاستئثار بتمثيل الشيعة اللبنانيّين وقسم من المسيحيّين ومن تحرير أراضٍ احتلتها اسرائيل، ثم اعتمدت عليه لحماية سوريا الأسد، وأعطته أدواراً في اليمن والكويت وغيرهما.

طبعاً رفض سنّة لبنان وقسم مهمّ من دروزه ومسيحيّيه ذلك، فكانت السعوديّة خير مُعين لهم سياسيّاً دائماً وماليّاً إلى حين. لكن ذلك لم يخفّف من سيطرة “الحزب” وإيران. فكان لا بدّ من المواجهة وباللبنانيّين، وخصوصاً بعدما خاب أملها من أشقائها “الكبار” ومن تركيا ومن أميركا، وتعطّلت دولة لبنان وصارت فاشلة.

كان الله في عونها.